نوائح، وفي غداة غد يظهر القضاء، فقلت له: يا أبة هكذا تتطير، قال: يا بنية ما منا أهل البيت من يتطير ولا يتطير به، ولكن قول جرى على لساني.
ثم قال: يا بنية بحقي عليك إلا ما أطلقتيه، فقد حبست ما ليس له لسان، ولا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش فأطعميه واسقيه، وإلا خلي سبيله يأكل من حشائش الأرض، فلما وصل إلى الباب عالجه ليفتحه، تعلق الباب بمئزره فانحل مئزره حتى سقط فأخذه وشده وهو يقول:
اشدد حيازيمك للموت * فان الموت لاقيك ولا تجزع من الموت * إذا حل بناديك ولا تغتر بالدهر * وان كان يواتيك كما أضحكك الدهر * كذاك الدهر يبكيك ثم قال: اللهم بارك لي في الموت.
قالت أم كلثوم: وكنت أمشي خلفه، فلما سمعته يقول ذلك قالت: وا غوثاه يا أبتاه أراك تنعى نفسك منذ الليلة، قال: يا بنية ما هو بنعاء، ولكن دلالات وعلامات للموت يتبع بعضها بعضا، فأمسكت عن الجواب، ثم فتح الباب وخرج.
قالت أم كلثوم: فجئت إلى أخي الحسن " ع " فقلت: يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا، وقد خرج في هذا الليل الغلس، فقام الحسن (ع) وتبعه فلحق به قبل ان يدخل الجامع، فقال: يا أباه ما أخرجك في هذه الساعة وقد بقى من الليل ثلثه، فقال: يا حبيبي وقرة عيني خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني وأزعجتني وأقلقتني، فقال له: خيرا رأيت وخيرا يكون فقصها علي؟ فقال: يا بني رأيت كأن جبرئيل (ع) قد نزل من السماء على جبل أبي قبيس فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبة وتركهما على ظهرها وضرب أحدهما على الآخر فصارت كالرميم ثم ذرهما في الريح، فما بقي بمكة ولا بالمدينة بيت إلا ودخله من ذلك الرماد، فقال: له يا أبة ما تأويلها؟
فقال: يا بني إن صدقت رؤياي فان أباك مقتول، ولا يبقى بمكة ولا بالمدينة بيت إلا ويدخله من ذلك غم ومصيبة من أجلي، فقال الحسن (ع): وهل تدري متى يكون