يدورون ولا يدرون أين يذهبون من شدة الصدمة والدهشة، ثم أحاطوا بأمير المؤمنين (ع) وهو يشد رأسه بمئزره والدم يجري على وجهه ولحيته وقد خضبت بدمائه وهو يقول: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله.
قال الراوي: واصطفقت أبواب الجامع وضجت الملائكة في السماء بالدعاء وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة ونادى جبرئيل بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء.
قال: فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرئيل (ع) لطمت على وجهها وشقت جيبها وصاحت: وا أبتاه وا علياه وا محمداه وا سيداه، ثم أقبلت إلى أخويها الحسن والحسين عليهما السلام فأيقظتهما وقالت لهما: والله قتل أبوكما، فقاما يبكيان، فقال لها الحسن (عليه السلام): يا أختاه كفي عن البكاء حتى ننظر صحة الخبر، كي لا تشمت الأعداء فخرج (عليه السلام) وإذا بالناس ينوحون وينادون: وا إماماه وا أمير المؤمنيناه، قتل والله امام عابد مجاهد لم يسجد لصنم كان أشبه الناس برسول الله، فلما سمع الحسن والحسين (ع) صرخات الناس ناديا: وا أبتاه وا علياه، ليت الموت أعدمنا الحياة وألقيا العمائم من رؤوسهما.
فلما وصلا الجامع وجدا أبا جعدة بن هبيرة ومعه جماعة من الناس وهم مجتهدون ان يقيموا الامام في المحراب ليصلي بالناس، فلم يطق النهوض وتأخر عن الصف وتقدم الحسن (ع) فصلى بالناس، وأمير المؤمنين " ع " يصلي إيماء من جلوس وهو يمسح الدم عن وجهه وكريمته الشريفة، يميل تارة ويسكن أخرى، والحسن " ع " ينادي:
وا انقطاع ظهراه، يعز والله علي ان أراك هكذا، ففتح عينيه وقال: يا بني لا تجزع على أبيك، هذا جدك محمد المصطفى وجدتك خديجة الكبرى وأمك فاطمة الزهراء والحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك، فطب نفسا وقر عينا، فكف عن البكاء، فان الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السماء.