وحشيا - وانا مشغول اخصف نعلي - فلم يؤذنوني، وأحبوا لو اني أبصرته، وفي رواية فرأيت أصحابي يتراءون شيئا، وفي رواية: يضحك بعضهم إلى بعض، فنطرت فإذا حمار وحشي فقمت إلى فرسي فأسرجته، ثم ركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، قالوا: والله لا نعينك عليه، فغضبت فنزلت فأخذتهما، ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم، فرحنا وخبأت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - العضد معي، فادركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناه عن ذلك فقال لهم: هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه أو أشار إليه؟ قالوا: لا، فقال: " كلوا ما بقي من لحمه إنما هي طعمة أطعمكموها الله، هو حلال، هل معكم منه شئ؟ فقلت نعم، فناولته العضد فاكلها وهو محرم (1). وروى الامام مالك والشيخان والترمذي والنسائي عن الصعب بن جثامة - رضي الله عنه - أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا وهو بالابواء أو بودان فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: انا لم نرده عليك الا انا حرم (2).
واهدى له ايماء بن رحضة الغفاري مع ابنه خفاف بن ايماء - رضي الله عنه - مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا، فقال: " بارك الله فيكم " وفرق ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واهدى له بعض الاعراب من ودان معيشا وعترا وضغابيس (3) فجعل يأكل الضغابيس والعتر وأعجبه، وادخل على أم سلمة منه، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه هذه الهدية، ويري أصحابه انها طريفة.
ذكر امره كعب بن عجرة بحلق رأسه لعذر روي الإمام أحمد، وعبد بن حميد، والشيخان والترمذي، وابن جرير، والطبراني عن كعب بن عجرة (4) - رضي الله تعالى عنه - قال: " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية ونحن محرمون - قد حصرنا المشركون، وكانت لي وقرة فجعلت الهوام تساقط على وجهي، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أيؤذيك هوام رأسك "؟ قلت: نعم، قال: " ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا "!! فأمرني أن احلق، وانزل الله - تعالى - هذه الآية: (فمن كان منكم مريضا أو به اذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) [البقرة 96] فقال رسول الله