وذكر محمد بن عمر: أن عبد الله بن أنيس شهد له فقال رجل: صدق سلبه عندي فارضه مني - أو قال منيه - فقال أبو بكر: لا ها الله إذا، لا تعمد إلى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن الله - تعالى - ورسوله فيعطيك سلبه! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " صدق فاعطه إياه " فأعطانيه، وعند محمد بن عمر فقال لي حاطب بن أبي بلتعة: يا أبا قتادة، أتبيع السلاح؟ فبعته بسبع أواق، فابتعت به مخرفا، وفي رواية: خرافا في بني سلمة، فإنه لأول مال تاثلته، وفي رواية:
اعتقبته - في الاسلام، زاد محمد بن عمر يقال له الرديني قال في البداية في الرواية السابقة عن أنس: إن عمر قال ذلك، وهو مستغرب، والمشهور أن قائل ذلك أبو بكر كما في حديث أبي قتادة، وقال الحافظ: الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة، وهو صاحب القصة، فهو أتقن لما وقع فيها من غيره، قالا: فلعل عمر قال ذلك متابعة لأبي بكر ومساعدة له، وموافقة، فاشتبه على الراوي.
قال العلماء: لو لم يكن من فضيلة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلا هذا لكفى فإنه بثاقب علمه، وشدة صرامته، وقوة إنصافه، وصحة توفيقه، وصدق تحقيقه بادر إلى القول بالحق، فزجر، وأفتى، وحكم، وأمضى، وأخبر في الشريعة عن المصطفى بحضرته وبين يديه، وبما صدقه فيه وأجراه على قوله.
وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هوازن فبينما نحن نتضحى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على جمل أحمر، فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم فتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة من الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد فاتى الجمل فاطلق قيده، ثم أناخه ثم قعد عليه فاشتد به الجمل واتبعه رجل من أسلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقة ورقاء، وفي رواية: أتى عين من المشركين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في سفر، فجلس عند أصحابه يتحدث. انتهى. ثم انفتل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اطلبوه واقتلوه " قال سلمة:
وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل، فأنخته، فلما وضع ركبته على الأرض، اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر، ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه، فقال: " من قتل الرجل "؟ قالوا: ابن الأكوع، قال: " له سلبه أجمع " (1).