فاذهب بك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأمنه لك، فإنه والله إن ظفر بك دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتقتلن، فركب خلفي، ورجع صاحباه - كذا في حديث ابن عباس وعند ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: أنهما رجعا - وذكر ابن عقبة، ومحمد بن عمر في موضع آخر:
أنهما لم يرجعا، وأن العباس قدم بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى.
قال العباس: فجئت بابي سفيان، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟
فإذا رأوا بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عليها قالوا: عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلما رآني، قام، فقال: من هذا؟ قلت: العباس، فذهب ينظر، فرأى أبا سفيان خلفي، فقال: أي عدو الله!! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطئ، فاجتمعنا على باب قبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل عمر على أثرى، فقال عمر: يا رسول الله!! هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلاضرب عنقه، قال قلت: يا رسول الله إني قد أجرته، ثم التزمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذت برأسه، فقلت، والله لا يناجيه الليلة دوني رجل. فلما أكثر عمر في شانه، فقلت: مهلا يا عمر، فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال: مهلا يا عباس، وفي لفظ يا أبا الفضل، فوالله لاسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب لو أسلم (1).
وذكر ابن عقبة، ومحمد بن عمر في موضع آخر: قال العباس، فقلت: يا رسول الله!! أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء قد أجرتهم، وهم يدخلون عليك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " أدخلهم " فدخلوا عليه، فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاهم إلى الاسلام، فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" اشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله "، فشهد بديل، وحكيم بن حزام، وقال: أبو سفيان: ما أعلم ذلك، والله إن في النفس من هذا لشئ بعد، فأرجئها.
وعند أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنه قيل لحكيم بن حزام: بايع، فقال: أبايعك ولا أخر إلا قائما. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أما من قبلنا فلن تخر إلا قائما ". انتهى.