الله إنه لابد لي من أن أقول، قال " قل " قال الحجاج: فخرجت فلما انتهيت إلى الحرم، هبطت فوجدتهم بالثنية البيضاء، وإذا بها رجال من قريش يتسمعون الاخبار قد بلغهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سار إلى خيبر، وعرفوا أنها قرية الحجاز أنفة ومنعة وريفا ورجالا وسلاحا، فهم يتحسبون الاخبار، مع ما كان بينهم من الرهان، فلما رأوني قالوا: الحجاج بن علاط عنده - والله - الخبر - ولم يكونوا فلموا باسلامي - يا حجاج، إنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر بلد يهود، وريف الحجاز، فقلت: بلغني أنه قد سار إليها وعندي من الخبر ما يسركم فالتبطوا بجانبي راحلتي، يقولون: إنه يا حجاج؟! فقلت: لم يلق محمد وأصحابه قوما يحسنون القتال غير أهل خيابر، كانوا قد ساروا في العرب يجمعون له الجموع، وجمعوا له عشرة آلاف فهزم هزيمة لم يسمع بمثلها قط، وأسر محمد أسرا، فقالوا: لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة فنقتله بين أظهرهم بمن قتل منا ومنهم، ولهذا فإنهم يرجعون إليكم يطلبون الأمان في عشائرهم، ويرجعون إلى ما كانوا عليه، فلا تقبلوا منهم، وقد صنعوا بكم ما صنعوا، قال: فصاحوا بمكة، وقالوا: قد جاءكم الخبر، هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم، وقلت: أعينوني على جمع مالي على غرمائي فاني أريد أن أقدم فأصيب من غنائم محمد وأصحابه: قبل أن تسبقني التجار إلى ما هناك، فقاموا فجمعوا إلي مالي كاحث جمع سمعت به، وجئت صاحبتي فقلت لها: مالي، لعلي ألحق بخيبر فأصيب من البيع قبل أن يسبقني التجار.
وفشا ذلك بمكة، وأظهر المشركون الفرح والسرور، وانكسر من كان بمكة من المسلمون، وسمع بذلك العباس بن عبد المطلب، فقعد وجعل لا يستطيع أن يقوم فاشفق أن يدخل داره فيوذى وعلم أنه يوذى عند ذلك فامر بباب داره أن يفتح وهو مستلق فدعا بقثم، فجعل يرتجز ويرفع صوته لئلا يشمت به الأعداء، وحضر باب العباس بين مغيظ ومحزون، وبين شامت، وبين مسلم ومسلمة مقهورين بظهور الكفر، والبغي، فلما رأى المسلمون العباس طيبة نفسه، طابت أنفسهم، واشتدت منتهم (1)، فدعا غلاما له يقال أبو زبيبة، بلفظ واحدة زبيب العنب، ولم أجد له ذكرا في الإصابة، فقال: اذهب إلى الحجاج فقل له: يقول لك العباس: الله أعلى وأجل من أن يكون الذي جئت به حقا، فقال له الحجاج: اقرا على أبى الفضل السلام، وقل له: ليخل لي في بعض بيوته، لآتيه بالخبر على ما يسره، واكتم عنى، واقبل أبو زبيبة يبشر العباس، فقال: ابشر يا أبا الفضل، فوثب العباس فرحا كان لم يمسه شئ، ودخل عليه أبو زبيبة، واعتنقه العباس، واعتقه، وأخبره بالذي قاله.