انتهوا إلى الموضع الذي تعالجنا فيه إذا هم بابي قتادة - فيما يرون مسجى في ثيابه، فقال رجل من الصحابة: يا رسول الله، قد استشهد أبو قتادة، قال، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أبا قتادة، والذي أكرمني بما أكرمني به إن أبا قتادة على آثار القوم يرتجز ". فدخلهم الشيطان أنهم ينظرون إلى فرسي قد عرقبت، وينظرون إليه مسجى عليه ثيابي (1).
قال: فخرج عمر بن الخطاب وأبو بكر - رضي الله عنهما - يسعيان حتى كشف الثوب، فإذا وجه مسعدة، فقالا: الله أكبر، صدق ورسوله، مسعدة يا رسول الله. فكبر الناس، ولم ينشب أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أفلح وجهك يا أبا قتادة، أبو قتادة سيد الفرسان، بارك الله فيك يا أبا قتادة " (2).
قال: قلت: بابي أنت وأمي يا رسول الله، سهم أصابني، والذي أكرمك بما أكرمك، وفي ولدك وفي ولد ولدك - وأحسب عكرمة قال وفي ولد ولد ولدك. ما هذا بوجهك يا أبا قتادة؟ قد ظننت أني قد نزعته، قال: " ادن مني يا أبا قتادة " قال: فدنوت منه. قال: فنزع النصل نزعا رفيقا، ثم بزق فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضع راحته عليه، فوالذي أكرم محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط، ولا قرح قط علي.
وروى محمد بن عمر وابن سعد عن أبي قتادة قال: لما أدركني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم بارك له في شعره وبشره، وقال: أفلح وجهك، قلت: ووجهك يا رسول الله، قال:
" قتلت مسعدة "؟ قلت: نعم، وذكر نحو ما تقدم قال: فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة وكانه ابن خمس عشرة سنة.
وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف، فجاءت الامداد، فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم والإبل، والقوم يعتقبون البعير والحمار حتى انتهوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد.
قال ابن إسحاق: واستنقذوا عشر لقاح زاد - فيها جمل لأبي جهل، وأفلت القوم بعشر.
وكانت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقاب، يحملها سعد بن زيد، وكان شعارهم أمت أمت.
وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ صلاة الخوف، وسيأتي بيانها في أبواب صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف.