حيث كانت، وقد سمعت أمير المؤمنين يذكر أنه صالبك غدا، فأحدث عهدك (1)، وانظر فيما أنت فيه ناظر من أمرك. فقال له موسى: قد فعلت، وأسندت ذلك إليك. فقال له عمر: لو قبلت ذلك من أحد قبلت منك، ولكن أسند إلى من أحببت. فانصرف، فلما أصبح اغتسل وتحنط وراح، ولم يشك في الصلب.
فلما انتصف النهار، واشتد الحر، وذلك في حمارة الصيف، دعا سليمان موسى، فأدخل عليه متعبا، وكان بادنا جسيما، به نسمة لا تزال تعرض له. فلما وقف بين يديه، شتمه وخوفه وتوعده، فقال له موسى: أما والله يا أمير المؤمنين ما هذا بلائي، ولا قدر جزائي، إني لبعيد الأثر في سبيل الله العظيم الغناء عن المسلمين، مع قدمه (2) آبائي مع آبائك، ونصيحتي لهم. قال: فيقول له سليمان:
كذبت، قتلني الله إن لم أقتلك. فلما أكثر على موسى قال له: أما والله لمن في بطن الأرض أحب إلي ممن على ظهرها. فقال سليمان: ومن أولئك واستطير.
فقال له موسى: مروان، وعبد الملك والوليد أخوك، وعبد العزيز عمك. قال:
فكاد سليمان ينكسر. ثم يقول: قتلني الله إن لم أقتلك. فيقول له موسى: ما أنت بفاعل يا أمير المؤمنين؟ فيقول: ولم؟ لا أم لك. فيقول له موسى: إني لأرجو ألا يكرم موسى بهوان أمير المؤمنين وموسى حينئذ قائم في الشمس، قد ارتفع نفسه (3)، وعظم بهره (4)، ثم التفت سليمان إلى عمر بن عبد العزيز، فقال:
ما أرى يميني إلا قد برئت يا عمر. قال عمر: فاغتنمتها منه، ولم أبال أن يحنث بإحياء رجل من المسلمين. فقلت: أجل يا أمير المؤمنين، امرؤ كبرت سنه، وكثر لحمه، وبه نسمة وبهر وسقم. فما أراه إلا ميتا. قال: ثم التفت سليمان إلى جلسائه فقال: من يأخذ هذا الشيخ، فيستخرج منه هذه الأموال؟ فقال