قال: فحدثني بعض أهل المدينة، أن موسى قال يوما لبعض من يثق به ليموتن إلى يومين.
رجل قد بلغ ذكره المشرق والمغرب، فلم نظن إلا أنه يعني الخليفة، فلما كان اليوم الثاني، لم أشعر وأنا في مسجد الرسول، حتى سمعت الناس يقولون: مات موسى بن نصير، فإذا هو (1)، وصلي سليمان عليه، ودفن رحمه الله.
وذكروا أن عبد الله بن صخر أخبرهم قال: بينما موسى يسير يوما على دابة له، وكان طويلا جسيما، فمر به رجلان من قريش: وقد تدلت رجلاه وانحنتا، وهما لا يعرفانه. فقالا أدبر والله الشيخ، فسمعهما موسى، فقال لهما: من أنتما؟ فانتسبا له. فقال: أما والله إن أميكما لمما أفاء الله على يدي هذا الشيخ: فأهداهما إلى أبويكما، فقالا له: ومن أنت يرحمك الله؟ قال:
موسى بن نصير، فقالا، فمرحبا وأهلا، صدقت وبررت، والله ما عرفناك: فقال: لا عليكما، قد والله أدبر عني وبقي مني.
وذكروا أن إبراهيم بن سليمان أخبرهم عمن حدثه عن موسى، أن الناس قحطوا بأفريقية عاما، فحرج موسى بالناس فاستسقى، فأمر رجلا فقص على الناس ورققهم، فجعل يذكر، ثم إنه انتحى في الدعاء للوليد بن عبد الملك فأكثر. فأرسل إليه موسى: إنا لم نأت هاهنا للدعاء للوليد، فأقبل على ماله جئنا فعدنا، فلم يلتفت، ورجا أن يبلغ الوليد، فأمر به فسحب، حتى خرج من الناس، ثم قام موسى ودعا بالناس، فما برحنا حتى انصبت السماء بمثل القرب، فأتى موسى بدابة من دوابه. فقال: والله لا ركبت، ولكن أخوض الطين، وانصرف ماشيا،، ومشى الناس، فسمعته يومئذ يردد في دعائه: اللهم الشهادة في سبيلك، أو موتا في مدينة رسولك.
قال فذكروا أن عرفة بن عكرمة حدثهم عن مشايخ من مراد عن رجل منهم كان مع موسى بالأندلس قال: كنت أبصر من مجاري الشمس والقمر شيئا، فوقع في عند موسى، وقيل له عنده علم، فوالله ما شعرت حتى أتيت فأخذت، فأدخلت عليه، فإذا بين يديه عصفور مذبوح، مشقوق البطن قال لي: أدخل يدك فانظر. قلت: أصلح الله الأمير: طلقت امرأته البتة إن كان يعلم قليلا أو كثيرا، إلا ما يعلم الناس من مجاري الشمس والقمر. قال: فأمر بي فنحيت، ثم دعا برجل من الأعاجم، قال: أدخل يدك، فانظر ماذا ترى، وكان من الأسارى، فأدخل يده في جوف العصفور، فحركه طويلا، ثم قلبه، نم قال للترجمان بلسانه: إنه ليس يموت ها هنا، ولكنه يموت بالمشرق في بلاد العرب، فنظر إليه موسى، ثم قال له: قاتلك الله ما أعلمك، قال: ثم أمر به فقتل، ثم دعاني، فأخذ على الإيمان أن لا أتكلم به ما بقي،