إن قتله فهو مكانه، فقبل وبايعوه على ذلك، ثم إنهم أتوا عبد الله بن عبد الرحمن الغافقي، وكان سيد أهل الأندلس صلاحا وفضلا فأعلموه، ثم أقرءوه كتاب سليمان. فقال لهم: قد علمتم يد موسى عند جميعكم، صغيركم وكبيركم، وإنما بلغ أمير المؤمنين أمر كذب عليه فيه، والرجل لم ينزع يدا من الطاعة، ولم يخالف فيستوجب القتل وأنتم ترون وأمير المؤمنين لا يرى، فأطيعوني ودعوا هذا الأمر، فأبوا، ومضوا على رأيهم، فأجمعوا على قتله، فوقفوا له. فلما خرج لصلاة الصبح، ودخل القبلة وأحرم، وقرأ بأم القرآن الكريم، واستفتح (إذا وقعت الواقعة) ضربه حبيب بن أبي عبيدة ضربة، فدهش ولم يصنع شيئا، فقطع عبد العزيز الصلاة وخرج، وتبعوه فقتله ابن وعلة التميمي، وأصبح الناس، فأعظموا ذلك، فأخرجوا كتاب سليمان بذلك، فلم يقبله أهل الأندلس، وولوا عليهم عبد الله بن عبد الرحمن الغافقي، ووفد حبيب بن أبي عبيدة برأس عبد العزيز ابن موسى رحمهما الله.
قدوم رأس عبد العزيز بن موسى على سليمان قال: وذكروا أن سليمان لما ظن أن القوم قد دخلوا الأندلس، وفعلوا ما كتب به إليهم، عزل عبد الله بن موسى عن أفريقية وطنجة والسوس، في آخر سنة ثمان وتسعين في ذي الحجة، وأقبل هؤلاء حتى قدموا على سليمان، وموسى بن نصير لا يشعر بقتل عبد العزيز ابنه. فلما دخلوا على سليمان، ووضع الرأس بين يديه، بعث إلى موسى، فأتاه، فلما جلس وراء القوم. قال له سليمان: أتعرف هذا الرأس يا موسى؟ فقال: نعم هذا رأس عبد العزيز بن موسى، فقام الوفد فتكلموا بما تكلموا به. ثم إن موسى قام فحمد الله، ثم قال: وهذا رأس عبد العزيز بين يديك يا أمير المؤمنين، فرحمة الله تعالى عليه، فلعمر الله ما علمته نهاره إلا صواما، وليله إلا قواما، شديد الحب لله ولرسوله، بعيد الأثر في سبيله، حسن الطاعة لأمير المؤمنين، شديد الرأفة بمن وليه من المسلمين، فإن يك عبد العزيز قضى نحبه، فغفر الله له ذنبه، فوالله ما كان بالحياة شحيحا، ولا من الموت هائبا، وليعز على عبد الملك وعبد العزيز والوليد أن يصرعوه هذا المصرع، ويفعلوا به ما أراك تفعل، ولهو كان أعظم رغبة فيه، وأعلم بنصيحة أبيه، أن يسمعوا فيه كاذبات الأقاويل، ويفعلوا به هذه الأفاعيل. فرد سليمان عليه قال: بل ابنك المارق من الدين، والشاق عصا المسلمين، المنابذ لأمير المؤمنين، فمهلا أيها الشيخ الخرف. فقال موسى: والله ما بي من خرف،