الأربعين، إلى أن شارفت الثمانين. قال: فضحك سليمان وقال: فأين الراية التي حملتها يوم مرج راهط (1) مع الضحاك؟ قال: تلك يا أمير المؤمنين زبيرية، وإنما عنيت المروانية. فقال:
صدقت، وأعجبه قوله.
وذكروا أن محمد بن عبد الملك حدثهم عن ريان بن عبد العزيز بن مروان قال: إنا لجلوس عند سليمان وهو على سطح فسيح، والناس يدخلون حتى دخل موسى من الباب، فتحرك بنا سقف السطح من شدة وطئه، فسلم ثم جلس، فذكر سليمان بيت الذهب الذي فتحه قتيبة بن مسلم، فجعل يردد فيه. فقال له موسى: وما هذا يا أمير المؤمنين؟ بيت لا يكون فيه عشرة آلاف دينار، والله لقد بعثت إلى أخيك الوليد بثور من زمرد أخضر، يصب فيه اللبن فيخضر وإنه لمن أدنى ما بعثت به إليه. ولقد أصبت كذا وكذا، وأصاب المسلمون كذا وكذا، وجعل يحدث سليمان بالعجائب. قال ريان: حتى والله أبهته. ولم يزل موسى بباب سليمان عظيم المنزلة عنده. فلما كانت سنة ثمان وتسعين تجهز سليمان للحج، وأمر موسى بالشخوص والحج معه، فذكر له أنه ضعيف، فأمر له سليمان بثلاثين نجيبا موقورة (2) جهازا، وبحجرة من حجره وجائزة، فحج سليمان، وحج معه موسى، فبينما هو يسير يوما إذ دعا بموسى، فناداه خالد بن الريان، وكان موسى يساير رجلا، فلم يلتفت موسى إلى ندائه، ثم دعا به، فناداه خالد أيضا، فلم يلتفت إليه. فقال له الرجل: غفر الله لك، ألم تسمع دعاء أمير المؤمنين؟ إني أخافه وأخاف أن يغضب. فقال موسى: ذاك لو كان عبد الملك أو الوليد.
فأما هذا فإنه يرضيه ما يرضي الصبي، ويسخطه ما يسخطه، وسترى ذلك. ثم تقدم موسى حتى لحق ولصق بسليمان. فقال له: أين كنت يا بن نصير؟ فقال له: يا أمير المؤمنين أين دوابنا من دوابك؟ إني لمنذ دعاني أمير المؤمنين لفي كد، حتى لحقت أمير المؤمنين، فضحك سليمان وأمر له بدواب من مراكبه، فسايره وحادثه، ثم انصرف عنه، فلحق الرجل به. فقال له موسى: كيف رأيت؟ قال: أنت كنت به أعلم، فسار سليمان حتى نزل المدينة في دار يزيد بن رومان.