بدير من أديار الأهواز، يسمى بنيسابور، فناصبه للقتال ستة أشهر كريتة (1)، لا له ولا عليه، حتى إذا كان في جوف ليلة من الليالي، خلا الحجاج بعنبسة بن سعيد بن العاص، ويزيد بن أبي مسلم، وعلي بن منقذ مولاه، وبعبد الرحمن بن زياد مولاه، وكان يزيد بن أبي مسلم حاجبه على ما وراء بابه وأما يحيى فوكله بالقيام خلف ظهره، إذا هو نسي أو غفل نخسه بمنخسه، ثم قال: اذكر الله يا حجاج، فيذكر ما بدا له أن يذكر. وأما عبد الرحمن ابن زياد: فكان ذا رأي ومشورة وأدب وفقه ونصيحة. أما عنبسة: فكان بعيد الهمة، طويل اللسان، بديه الجواب، فاصل الخطاب، موفق الرأي، فاستشارهم لما طال به وبعبد الرحمن القتال، لا يظفر واحد منهما بصاحبه - ومع عبد الرحمن سعيد بن جبير والشعبي، فكان هذا فقيه أهل الكوفة، وهذا فقيه أهل البصرة - في أن يبيته، فكره ذلك مواليه، وأشار عنبسة أن يبيته، فقال الحجاج: أصبت، أصاب الله بك الخير، وما الأمر إلا النصيحة، والرأي شعوب، فمخطئ منها أو مصيب، غدا الاثنان، فصوموا ونصوم، واستعينوا الله بالخيرة، ونبيتهم الليلة المقبلة، ليلة الثلاثاء، فسوف أترجل، ويترجل أهل مودتي ونصيحتي، من ولدي وغيرهم. ففعل: وأصبح صائما، وبيتهم ليلة الثلاثاء وهو يقول: اللهم إن كان الحق لهم فلا تمتنا على الضلالة، وإن كان الحق لنا فانصرنا عليهم، فحمل عليهم والنيران توقد، فأصاب منهم، وأصيب منه، وانهزم ابن الأشعث في سواد الليل، وأصاب الحجاج عسكره، وأسر سعيد بن جبير، وأفلت عامر بن سعيد الشعبي مع ابن الأشعت، فلما أتى الحجاج بسعيد بن جبير، قال له: ويحك يا سعيد! أما تستحي مني؟ ومدك الشيطان في طغيانك، ألا استحيت من المراقب لي ولك، والحافظ علي وعليك؟ فقال: أصلح الله الأمير، وأمتع به! هي بلية وقعت، وعذاب نزل، والقول كما قال الأمير، وكما نسبه به وأضافه إليه، إلا أني أتيت رجلا قد أزهى وطغى، ولبسته الفتنة، وركب الشيطان كتفيه، ونفث في صدره، وأملى على لسانه فخفته واتقيته بالذي فعلت؟ فإن تعاقب فبذنب، وإن تعف فسجية منك. فقال له الحجاج:
فإنا قد عفونا عنك، وسنردك إليه تارة أخرى. ثم كتب كتابا، ووجهه مع سعيد بن جبير إلى عبد الرحمن، فلما كان سعيد ببعض الطريق، خرق الكتاب. وقدم عبد الرحمن فأخبره، فنفر عبد الرحمن، وخرج موائلا إلى أهل البصرة، وقد قدمت عليه كتبهم، يستبطئونه ويستعجلونه حتى قدم عليهم، وبلغ ذلك الحجاج فسبقه إلى البصرة فدخل الحجاج المسجد متنكبا قوسا، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وحرض الناس على قتال ابن