صلة لصهره، وحبا لإتمام الصنيعة إليه، وإلى جميع أهله. فأقام عبد الرحمن كذلك حينا مع الحجاج، لا يزيده الحجاج إلا إكراما، ولا يظهر له إلا قبولا، وفي نفس الحجاج من عجبه ما فيها، لتشمخه زاهيا بأنفه حتى إنه كان ليقول إذا رآه مقبلا: أما والله يا عبد الرحمن، إنك لتقبل علي بوجه فاجر، وتدبر عني بقفاء غادر، وأيم الله لتبتلين حقيقة أمرك على ذلك.
فمكث بهذا القول منه دهرا، حتى إذا عيل صبر الحجاج على ما يتطلع من عبد الرحمن، أراد أن يبتلي حقيقة ما يتفرس فيه من الغدر والفجور، وأن يبدي منه ما يكتم من غائلته، فكتب إليه عهده على سجستان. فلما بلغ ذلك أهل بيت عبد الرحمن، فزعوا من ذلك فزعا شديد، فأتوا الحجاج، فقالوا له: أصلح الله الأمير، إنا أعلم به منك، فإنك به غير عالم، ولقد أدبته بكل أدب، فأبى أن ينتهي عن عجبه بنفسه، ونحن نتخوف أن يفتق فتقا، أو يحدث حدثا، يصيبنا فيه منك ما يسوؤنا. فقال الحجاج: القول كما قلتم، والرأي كالذي رأيتم، ولقد استعملته على بصيرة، فإن يستقم فلنفسه نظر، وإن يفترج سبيله عن بصائر الحق يهد إليها إن شاء الله.
فلما توجه عبد الرحمن إلى عمله، توجه وهو مصر لخلعان طاعة الحجاج، وسار بذلك مسيره أجمع حتى نزل مدينة سجستان، ثم مر على خلعانه عام كامل، فلما أجمع عبد الرحمن على إظهار خلعان الحجاج، كتب إلى أيوب بن القرية التميمي، وهو مع الحجاج في عسكره، خاص المنزلة منه، وكان مفوها كليما يسأله أن يصدر إليه رسالة الحجاج، يخلع فيها طاعة الحجاج، فكتب له ابن القرية رسالة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، إلى الحجاج ابن يوسف: سلام على أهل طاعة الله، أوليائه الذين يحكمون بعدله، ويوفون بعهده، ويجاهدون في سبيله، ويتورعون لذكره، ولا يسفكون دما حراما، ولا يعطلون للرب أحكاما، ولا يدرسون له أعلاما، ولا يتنكبون النهج، ولا يبرمون السي، ولا يسارعون في الغي، ولا يدللون الفجرة، ولا يترضون الجورة، بل يتمكنون عند الاشتباه، ويتراجعون عند الإساءة. أما بعد: فإني أحمد إليك الله حمدا بالغا في رضاه، منتهيا إلى الحق في الأمور الحقيقية لله علينا. وبعد: فإن الله أنهضني لمصاولتك، وبعثني لمناضلتك، حين تحيرت أمورك، وتهتكت ستورك، فأصبحت عريان حيران، مبهتا (1) لا توافق وفقا، ولا ترافق رفقا. ولا تلازم صدقا، أؤمل من الله الذي ألهمني ذلك، أن يصيرك في حبالك، أو أن يجئ بك في القرن (2)، ويسحبك للذقن (3) وينصف منك من لم تنصفه من نفسك،