الرداء، لا إلى معادن السي، والتقحم في الغي، فإني أحمد الله الذي خلاك في حيرتك، إذ بهتك في السيرة، ووهلك للضرورة حق أقحمك أمورا أخرجت بها عن طاعته، وجانبت ولايته، وعسكرت بها في الكفر، وذهلت بها عن الشكر، فلا تشكر في السراء، ولا تصبر في الضراء أقبلت مستنا بحريم الحرة، وتستوقد الفتنة لتصلى بحرها، وجلبت لغيرك ضرها، وقلت وثاق الاحتجاج، ومبارزة الحجاج، ألا بل لأمك الهبل، وعزة ربك لتكبن لنحرك (1).
ولتقلبن لظهرك، ولتتخبطن فريصتك (2)، ولتدحضن حجتك ولتذمن مقامك، ولتشتغلن سهامك، كأني بك تصير إلى غير مقبول منك. إلا السيف هوجا هوجا، عند كشوف الحرب عن ساقها، ومبارزة أبطالها، والسلام على من أناب إلى الله وسمع وأجاب. ثم قال: من ها هنا من فتية بني الأشعث بن قيس؟ قيل سعيد بن جبير. قال: فأتى به. قال له: انطلق بهذا الكتاب إلى هذا الطاغية، الذي قد فتن وفتن، فاردعه عن قبيح ما دخل فيه، وعظيم ما أصر عليه من حق الله، وحرمة ما انتهك عدو الله، إلى ما في ذلك من سفك الدماء، وإباحة الحريم، وإنفاق الأموال، فإني لولا معرفتي بأنك قد حويت علما، وأصبت فقها، أخاف أن يكون عليك لا لك، لعهدت لك به عهدا تقفل به، ولكن انطلق مرتك هذه قبل الكتاب إليه، واحمله على البريد. فخرج سعيد به متوجها، حتى انتهى إليه.
فلما قرأ عبد الرحمن الكتاب، تبينت رعشته جزعا منه، وهيبة له، وسمع بذلك من كان يتابعه، وهوى كل ذي هوى، وضم سعيد بن جبير فلم يظهره للناس، وكتم الكتاب وجعل يستخلي بابن جبير في الليل فيسمر معه، ويسأله عبد الرحمن الدخول معه فيما رأى هو من خلع الحجاج، فأبى سعيد ذلك عليه، فمكث بذلك شهرا كريتا (3). فأسعفه سعيد بن جبير بطلبته، وسارع معه في رغبته، وخلعان طاعة الحجاج، ثم إن عبد الرحمن، تجهز من سجستان مقبلا، يقود من يقوده من أهل هواه وأهل رأيه، وخرج الحجاج إليه بمن معه من أجناده من أهل الشام، وبمن معه يومئذ من أهل الطاعة من أهل العراق، حتى لقيه