يطلع رأسك وأضراسك إلى الدنيا، قال الأعرابي: ما عندك إلا ما أرى؟ قال الغضبان:
بل عندي هراوتان أضرب بهما رأسك حتى يثتثر دماغك. قال الأعرابي: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الغضبان: أظلمك أحد؟ قال الأعرابي: ما أرى. ثم قال الأعرابي:
يا آل حارث بن كعب، فقال الغضبان: بئس الشيخ ذكرت. قال الأعرابي: ولم ذلك؟
قال الغضبان: لأن إبليس يسمى حارثا. قال الأعرابي: إني لأحسبك مجنونا. قال الغضبان:
اللهم اجعلني من خيار الجن. قال الأعرابي: إني لأظنك حروريا (1). قال الغضبان:
اللهم اجعلني ممن يتحرى الخير. قال الأعرابي: إني لأراك منكرا. قال الغضبان. إني لمعروف فيما أوتي. فولى عنه وهو يقول: إنك لبذخ أحمق، وما أنطق الله لسانك إلا بما أنت لاق وعما قليل تلتف ساقك بالساق. فلما قدم الغضبان على الحجاج قال له: أنت شاعر؟
قال: لست بشاعر، ولكني خابر. قال: أفعراف أنت؟ قال: بل وصاف. قال: كيف وجدت أرض كرمان؟ قال الغضبان: أرض ماؤها وشل (2)، وسهلها جبل، وثمرها دقل (3)، ولصها بطل، إن كثر الجيش بها جاعوا، وإن قل بها ضاعوا. قال: صدقت، أعلمت من كان الأعرابي؟ قال: لا، قال: كان ملكا خاصمك، فلم تفقه عنه لبذخك، اذهبوا به إلى السجن فإنه صاحب المقالة: تغد بالحجاج قبل أن يتعشى بك. وأنت يا غضبان قد أنذرك خصمك على نطق لسانك، فما الذي به دهاك؟ قال الغضبان: جعلني الله فداك أيها الأمير، أما إنها لا تنفع من قيلت له، ولا تضر من قيلت فيه. فقال الحجاج: أجل ولكن أتراك تنجو مني بهذا؟ والله لأقطعن يديك ورجليك، ولأضربن بلسانك عينيك. قال الغضبان:
أصلح الله الأمير، قد آذاني الحديد وأهون ساقي القيود، فما يخاف من عدلك البرئ، ولا يقطع من رجائك المسئ. قال الحجاج: إنك لسمين. قال الغضبان: القيد والرتعة (4)، ومن يك ضيف الأمير يسمن. قال: إنا حاملوك على الأدهم (5) قال الغضبان: مثل