بابن أبى جعفر، قال الجاحظ يوما لمتطبب وهو يشكو إليه علته: اصطلحت الأضداد على جسدي، ان اكلت باردا اخذ برجلي، وان اكلت حارا اخذ برأسي. حدثنا أبو عبيد الله، قال حدثنا محمد بن العباس قال حدثنا محمد بن العباس النحوي، قال سمعت الجاحظ يقول: انا من جانبي الأيسر مفلوج، فلو قرض بالمقاريض ما علمت، ومن جانبي الأيمن منقرس، فلو مر به الذباب لآلمت، وبي حصاة لا يتسرح لي البول معها، وأشدها على ست وتسعون.) (قال الجاحظ: لما قرأ المأمون كتبي في الإمامة، وجدها على ما أمرته، وصرت إليه، وقد كان أمر اليزيدي بالنظر فيها ليخبره عنها. فقال لي المأمون: قد كان بعض من نرتضي عقله، ونصدق خبره، خبرنا عن هذه الكتب، بأحكام الصنعة وكثرة الفائدة، فقلنا قد تربى الصفة على العيان، فلما رأيتها، رأيت العيان قد أربى على الصفة، فلما فليتها أربى الفلى على العيان، كما أربى العيان على الصفة. وهذه كتب لا يحتاج إلى حضور صاحبها، ولا تفتقر إلى المخبر عنها، وقد جمع استقصاء المعاني باستقصاء جميع الحقوق، مع اللفظ الجزل والمخرج السهل. سوقي، ملوكي، عامي، خاصي.) (قال محمد بن إسحاق: أظن الجاحظ حسن هذا اللفظ تعظيما لنفسه، وتفخيما لتأليفه، وكيف يقول المأمون هذا الكلام، مادحا لتصنيف أو مثن على تأليف. وقد كتب إلى ملك البرغر كتابا يحتوي على أكثر من مائة ورقة، لم يستعن في ذلك بأحد، ولم يورد فيه آية من كتاب الله جل اسمه، ولا كلمة من حكيم يقدمه، ولكن أطاع الجاحظ لسانه فقال.) (وهذا كلام استحسناه من كلام الجاحظ) (قال في رسالته إلى محمد بن عبد الملك: المنفعة توجب المحبة. والمضرة توجب البغضاء. المضادة توجب العداوة. خلاف الهوى يوجب الاستثقال، ومتابعته توجب الألفة. الأمانة توجب الطمأنينة. الخيانة توجب المنافرة. العدل يوجب اجتماع القلوب. الجور يوجب الفرقة. حسن الخلق يوجب المؤانسة. الانقباض يوجب الوحشة. التكبر يوجب المقتة. التواضع يوجب المقه. الجود يوجب الحمد. البخل يوجب المذمة. التواني والهويناء يوجبان الحسرة. الحزم يوجب السرور. التعزير يوجب الندامة. الحذر يوجب العذر. إصابة التدبير توجب بقاء النعمة. الاستهانة توجب التباغض. التداعي مقدمات الشر وسبب البوار. ولكل واحد من هذه افراط وتقصير، وانما تصح نتائجها إذا أقيمت حدودها. فان الافراط في الجود يوجب التبذير. والافراط في التواضع يوجب المذلة.
والافراط في الكبر يدعوا إلى المقت. والافراط في الغدر يدعوا إلى أن لا يثق بأحد وذلك ما لا سبيل إليه. والافراط في المؤانسة يكسب خلطاء السوء. والافراط في الانقباض يوحش ذوي النصيحة.) (وقال في فصل من كتاب له: وما كان حقي وانا واضع هذين الكتابين في خلق القرآن وهو المعنى الذي يكبره أمير المؤمنين ويعزه... وفى فضل ما بين بنى هاشم، وعبد شمس، ومخزوم: إلا ان اقعد فوق السماكين الأعزل والرامح، بل فوق العيوق، أو أتجر في الكبريت الأحمر وأقود العنقاء بزمامها إلى الملك الأكبر.) (ومات الجاحظ سنة خمس وخمسين ومائتين في خلافة المعتز. وله من الكتب، كتاب الحيوان، والمشهور انه سبعة اجزاء، وأضاف إليه كتابا اخر، سماه كتاب النساء، وهو الفرق فيما بين الذكر والأنثى. وكتابا آخر، سماه كتاب البغال. ورأيت انا هذين الكتابين بخط زكريا بن يحيى بن سليمان، ويكنى أبا يحيى، وراق الجاحظ. وقد أضيف إليه كتاب سموه كتاب الإبل، ليس من كلام الجاحظ ولا يقاربه. وهذا الكتاب الفه باسم محمد بن عبد الملك الزيات).