وبلغ عبد الله بن الزبير ما يهم به الحسين، فأقبل حتى دخل عليه، فقال له:
لو أقمت بهذا الحرم، وبثثت رسلك في البلدان، وكتبت إلى شيعتك بالعراق أن يقدموا عليك، فإذا قوي أمرك نفيت عمال يزيد عن هذا البلد، وعلي لك المكانفة والمؤازرة، وإن عملت بمشورتي طلبت هذا الأمر بهذا الحرم، فإنه مجمع أهل الآفاق، ومورد أهل الأقطار لم يعدمك بإذن الله إدراك ما تريد، ورجوت أن تناله.
قالوا: ولما كان في اليوم الثالث عاد عبد الله بن عباس إلى الحسين، فقال له:
- يا بن عم لا تقرب أهل الكوفة، فإنهم قوم غدرة، وأقم بهذه البلدة، فإنك سيد أهلها، فإن أبيت فسر إلى أرض اليمن، فإن بها حصونا وشعابا، وهي أرض طويلة عريضة، ولأبيك فيها شيعة، فتكون عن الناس في عزلة، وتبث دعاتك في الآفاق، فإني أرجو إن فعلت ذلك أتاك الذي تحب في عافية.
قال الحسين عليه السلام: يا بن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح مشفق، غير أني قد عزمت على الخروج.
قال ابن عباس: فإن كنت لا محالة سائرا، فلا تخرج النساء والصبيان، فإني لا آمن أن تقتل كما قتل ابن عفان، وصبيته ينظرون إليه.
قال الحسين: عم، ما أرى إلا الخروج بالأهل والولد.
فخرج ابن عباس من عند الحسين فمر بابن الزبير، وهو جالس، فقال له:
قرت عينك يا بن الزبير بخروج الحسين.
ثم تمثل:
خلالك الجو، فبيضي واصفري * ونقري، ما شئت أن تنقري قالوا: ولما خرج الحسين من مكة اعترضه صاحب شرطة أميرها، عمرو بن سعيد ابن العاص في جماعة من الجند، فقال: إن الأمير يأمرك بالانصراف، فانصرف، وإلا منعتك.
فامتنع عليه الحسين، وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط.
وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الأمر، فأرسل إلى صاحب شرطه، يأمره بالانصراف.