قالوا: وقد كان معاوية جعل لأيمن بن خريم ناحية من فلسطين على أن يبايعه، فأبى، وقال:
لست بقاتل رجلا يصلي * على سلطان آخر من قريش له سلطانه وعلى إثمي * معاذ الله من سفه وطيش أأقتل مسلما في غير حق * فليس بنافعي ما عشت عيشي (وثيقة التحكيم) قالوا: فاجتمع أهل العراق وأهل الشام وأتوا بكاتب، وقالوا: (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين). فقال معاوية (بئس الرجل أنا إن أقررت بأنه أمير المؤمنين ثم أقاتله. قال عمرو (بل اكتب اسمه واسم أبيه). فقال الأحنف بن قيس: (يا أمير المؤمنين، لا تمح اسم أمره المؤمنين، فإني أخاف إن محوتها لم ترجع إليك أبدا، ولا تجبهم إلى ذلك).
فقال علي: الله أكبر، سنة بسنة، أما والله لقد جرى على يدي نظير هذا - يعني القضية يوم الحديبية (1)، وامتناع قريش أن يكتب محمد رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب، اكتب محمد بن عبد الله، فكتبوا.
(هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما فيما تراضيا به من الحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قضية علي على أهل العراق شاهدهم وغائبهم، وقضية معاوية على أهل الشام شاهدهم وغائبهم، إنا تراضينا أن نقف عند حكم القرآن فيما يحكم من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات، على ذلك تقاضيا وبه تراضيا، وإن عليا وشيعته رضوا بعبد الله بن قيس ناظرا وحاكما، ورضي معاوية وشيعته بعمرو بن العاص ناظرا وحاكما، على أن عليا ومعاوية أخذا على عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه، وذمته وذمة