قالوا: (فانطلقت العيون إلى معاوية بكلام الأشعث، فقال: صدق الأشعث، لئن التقينا غدا ليميلن الروم على ذراري أهل الشام، وليميلن دهاقين فارس على ذراري أهل العراق، وما يبصر هذا الأمر إلا ذوو الأحلام، اربطوا المصاحف على أطراف القنا (1)).
قالوا: فربطت المصاحف، فأول ما ربط مصحف دمشق الأعظم، ربط على خمسة أرماح، يحملها خمسة رجال، ثم ربط سائر المصاحف، جميع ما كان معهم، وأقبلوا في الغلس، ونظر أهل العراق إلى أهل الشام قد أقبلوا، وأمامهم شبيه بالرايات، فلم يدروا ما هو، حتى أضاء الصبح، فنظروا، فإذا هي المصاحف.
ثم قام الفضل بن أدهم أمام القلب، وشريح الجذامي أمام الميمنة، وورقاء ابن المعمر أمام الميسرة، فنادوا: (يا معشر العرب، الله. الله في نسائكم وأولادكم من فارس والروم غدا، فقد فنيتم، هذا كتاب الله بيننا وبينكم). فقال علي رضي الله عنه: (ما الكتاب تريدون، ولكن المكر تحاولون).
ثم أقبل أبو الأعور السلمي على برذون أشهب، وعلى رأسه مصحف، وهو ينادي: (يا أهل العراق، هذا كتاب الله حكما فيما بيننا وبينكم).
فلما سمع أهل العراق ذلك قام كردوس بن هانئ البكري، فقال: (يا أهل العراق، لا يهدئكم ما ترون من رفع هذه المصاحف، فإنها مكيدة). ثم تكلم سفيان بن ثور النكري (2)، فقال: (أيها الناس، أنا قد كنا بدأنا بدعاء أهل الشام إلى كتاب الله، فردوا علينا، فاستحللنا قتالهم، فإن رددناه عليهم حل لهم قتالنا، ولسنا نخاف أن يحيف الله علينا ولا رسوله). ثم قام خالد بن المعمر، فقال لعلي: (يا أمير المؤمنين، ما البقاء إلا فيما دعا القوم إليه إن رأيته، وإن لم تره فرأيك أفضل). ثم تكلم الحضين بن المنذر، فقال: أيها الناس، إن لنا داعيا قد حمدنا ورده وصدره، وهو المأمون على ما فعل، فإن قال: لا، قلنا: لا، وإن قال: نعم، قلنا: نعم).