وبهذا يندفع ما ذكروه من الحجة الرابعة والخامسة والسادسة.
كيف وقد قيل في الحجة الرابعة إن (أوامر) ليست جمع (أمر) بل جمع (إمرة) وأما القائلون بكونه مشتركا بين القول المخصوص والفعل فقد احتجوا بثلاث حجج.
الأولى: أن المسمى في نفسه مختلف، وكما قد أطلق اسم الامر على القول المخصوص، فقد أطلق على الفعل. والأصل في الاطلاق الحقيقة. ويدل على الاطلاق قول العرب: أمر فلان مستقيم، أي عمله. وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (وما أمرنا إلا واحدة) * (54) القمر: 50) أي فعلنا * (وما أمر فرعون برشيد) * (11) هود: 97).
الحجة الثانية: أن اسم الامر في الفعل قد جمع بأمور، والجمع علامة الحقيقة.
الحجة الثالثة: أنه لو كان اسم الامر في الفعل مجازا لم يخل إما أن يكون مجازا بالزيادة أو بالنقصان، أو لمشابهته لمحل الحقيقة أو لمجاور له، أو لأنه كان عليه، أو سيؤول إليه، ولم يتحقق شئ من ذلك في الفعل. وإذا لم يكن مجازا كان حقيقة.
وهذه الحجج ضعيفة أيضا.
أما الحجة الأولى فلقائل أن يقول لا نسلم صحة إطلاق اسم الامر على الفعل.
وقولهم: أمر فلان مستقيم ليس مسماه الفعل، بل شأنه وصفته وهو المراد من قوله تعالى: * (وما أمرنا إلا واحدة) * (54) القمر: 50) ومن قوله: * (وما أمر فرعون برشيد) * (11) هود: 97) وأما الحجة الثانية، فلا نسلم أن الجمع دليل الحقيقة، بدليل قولهم في جمع من سمي (حمارا) لبلادته (حمر) وهو مجاز. وإن سلمنا بأن الجمع يدل على الحقيقة، ولكن لا نسلم أن (أمور) جمع (أمر) بل الامر والأمور كل واحد منهما يقع موقع الآخر وليس أحدهما جمعا للآخر. ولهذا يقال أمر فلان مستقيم فيفهم منه ما يفهم من قولهم أمور فلان مستقيمة.
وأما الحجة الثالثة: فهو أنه لا يلزم من كون الامر ليس مجازا في الفعل أن يكون حقيقة فيه، من حيث هو فعل وإنما هو حقيقة فيه من جهة ما اشتمل عليه من معنى الشأن والصفة كما سبق.