وأما المعقول فهو أن العدل الثقة إذا قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كذا، مظهرا للجزم بذلك، فالظاهر من حاله أنه لا يستجيز ذلك إلا وهو عالم أو ظان أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال ذلك. فإنه لو كان ظانا أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يقله، أو كان شاكا فيه، لما استجاز في دينه النقل الجازم عنه، لما فيه من الكذب والتدليس على المستمعين. وذلك يستلزم تعديل من روى عنه. وإلا لما كان عالما ولا ظانا بصدقه في خبره.
فإن قيل: لا نسلم الاجماع، ودليله من جهة الاجمال والتفصيل:
أما الاجمال فهو أن المسألة اجتهادية، والاجماع قاطع، فلا يساعد في مسائل الاجتهاد.
وأما من جهة التفصيل فهو أن غاية ما ذكر مصير بعض الصحابة أو التابعين إلى الارسال، وليس في ذلك ما يدل على إجماع الكل.
قولكم: لم ينكر ذلك منكر لا نسلم ذلك. ولهذا، باحثوا ابن عباس وابن عمر وأبا هريرة في ذلك، حتى أسند كل واحد ما أخبر به. وقال ابن سيرين: لا نأخذ بمراسيل الحسن وأبي العالية. وإن سلمنا عدم النكير فغايته أنهم سكتوا. والسكوت لا يدل على الموافقة، لما سبق تقريره في مسائل الاجماع. سلمنا الموافقة، غير أن الارسال المحتج بوقوعه، إنما وقع من الصحابة والتابعين. ونحن نقول بذلك، لان الصحابي والتابعي إنما يروي عن الصحابي، والصحابة عدول على ما سبق تحقيقه.