إن كان صحيحا في تفسيرهم الامر، بطلب الفعل، من جهة أن السيد أيضا آمر في مثل الصورة لعبده مع علمنا بأنه يستحيل منه طلب الفعل من عبده، لما فيه من تحقيق عقابه وكذبه، والعاقل لا يطلب ما فيه مضرته وإظهار كذبه. وعند ذلك فما هو جواب أصحابنا في تفسير الامر بالطلب يكون جوابا للخصم في تفسيره بالإرادة.
وإن زعم بعض أصحابنا أن الامر ليس هو الطلب، بل الاخبار باستحقاق الثواب على الفعل، فيلزمه أن يكون الآمر لعبده مما يصح تصديقه وتكذيبه في أمره لعبده ضرورة كون الامر خبرا وهو ممتنع.
كيف وإنه على خلاف تقسيم أهل اللغة الكلام، إلى أمر وخبر.
والحق في ذلك أن يقال. أجمع المسلمون، من غير مخالفة من الخصوم، على أن من علم الله تعالى أنه يموت على كفره أنه مأمور بالايمان، وليس الايمان منه مرادا لله تعالى، لأنه لا معنى لكونه مرادا لله تعالى سوى تعلق الإرادة به، ولا معنى لتعلق الإرادة بالفعل سوى تخصيصها له بحالة حدوثه، فلا يعقل تعلقها به دون تخصيصها له بحالة حدوثه، وما لم يوجد لم تكن الإرادة مخصصة له بحالة حدوثه، فلا تكون متعلقة به.
وليقنع بهذا هاهنا عما استقصيناه من الوجوه الكثيرة في علم الكلام.
وأما أصحابنا، فمنهم من قال: الامر عبارة عن الخبر على الثواب على الفعل تارة، والعقاب على الترك تارة، وهو فاسد، لما سبق من امتناع تصديق الآمر وتكذيبه، ولأنه يلزم منه لزوم الثواب على فعل ما أمر به، والعقاب على تركه، من جهة الشارع حذرا من الخلف في خبر الصادق، وليس كذلك بالاجماع. أما الثواب فلجواز إحباط العمل بالردة، وأما العقاب فلجواز العفو والشفاعة. ويمكن أن يحترز عن هذا الاشكال بأن يقال: هو الاخبار باستحقاق الثواب والعقاب غير أنه يبقى عليه الاشكال الأول من غير دافع.