هذا، وقد يستشكل في الاستدلال المذكور بوجوه..
الأول: ما يظهر من المحقق الخراساني قدس سره من عدم إطلاق في الآية يقتضي وجوب الحذر عند الانذار، لأنها مسوقة لبيان وجوب النفر، لا لبيان كون غاية الانذار الحذر، ولعل وجوبه مشروط بالعلم.
وفيه: أن سوق الآية لبيان وجوب النفر لا ينافي سوقها لبيان ترتب الانذار على الحذر وكونه غاية له، كما هو مقتضى تركيبها الكلامي.
نعم، قد يمنع كون الاطلاق مقتضى تركيبها الكلامي بظهور (لعل) في عدم ملازمة ما بعدها لما قبلها وإمكان تخلفه عنه، فلعل المراد لزوم الحذر في الجملة ولو على تقدير حصول العلم من الانذار، بأن تعدد المنذرون أو قامت القرينة على صدقهم. نظير قولك: انصح زيدا لعله يقبل، وأخبره لعله يصدقك.
ولعله إلى ذلك يرجع ما ذكره شيخنا الأعظم قدس سره في منع الاطلاق.
لكنه مندفع: بأن (لعل) إنما تقتضي عدم الملازمة بين الحذر نفسه والانذار، وهو لا ينافي مطلوبية الحذر عقيب الانذار بمقتضى كونه غاية له، الظاهر في مطلوبيته بمجرده، نظير قولك: أحسن لزيد لعله ينفعك، وادفع له عشرة دراهم لعله يتعفف عن الناس، فإنه ظاهر في كون الاحسان ودفع الدراهم كافيين في حسن النفع والاستغناء من زيد بلا حاجة إلى أمر آخر، واحتمال دخله مدفوع بالاطلاق.
ولا بد أن يكون عدم ملازمة الغاية لذيها المستفاد من (لعل) لأمر آخر كقصور المكلف، لعدم علمه بكون الشئ غاية للجواب واجبا بتبعه، كما لعله الحال في مثل: أخبره لعله يصدقك، أو تقصيره لتجاهله لذلك عصيانا، كما هو الظاهر في المقام، لان الامر بالنفر والتفقه والانذار والحذر عام لا يجهله أحد، خصوصا مع ظهور الآية في كون ذلك مقتضى طبيعة الانذار، نظرا للسيرة العقلائية المشار إليها آنفا.