بيان ذلك: إن هناك قانونين ذكرناهما في مبحث الوضع:
أولهما: قانون تكويني محصله: إن التشابه بين الشيئين موجب لخطور أحدهما عند خطور الآخر، وهو ما يسمى بقانون تداعي المعاني.
ثانيهما: قانون عقلائي محصله: إن الطبيعة الاجتماعية للبشرية بنيت على الاختراع والاتباع.
وبناءا على ذلك فمن المحتمل أن شخصا من الأشخاص مثلا رأى رجلا يضرب، فوضع لتلك الحالة الفاعلية التي رآها من باب الاتفاق لفظ (ضارب) من دون أن يقصد وضعين: وضعا للمادة ووضعا للهيئة، بل وضع تمام اللفظ للمعنى الفاعلي من باب الاتفاق، وحيث تحقق للآخرين مشاهدتهم لحالة فاعلية أخرى مشابهة لتلك الحالة فرض قانون تداعي المعاني خطور الكلمة الأولى، وهي لفظ (ضارب) التي وضعها الواضع الأول للحالة الفاعلية، فوضعوا كلمة أخرى مشابهة لها في الهيئة فقالوا: قائم وقاعد مثلا، وجروا على ذلك في استعمالاتهم بقانون الاختراع والاتباع كما ذكرنا.
ولما جاء العلماء الماهرون في اللغة والاشتقاق انتزعوا جامعا نوعيا بين الكلمات المتشابهة وسموه الهيئة، كهيئة فاعل ومفعول ونحوها، وإلا فلا يوجد أي وضع نوعي للهيئة، بل الموجود هو الجامع الانتزاعي بعد ورود اللغة.
وهذه النظرية محتملة ثبوتا إلا أنها تحتاج للشواهد الكثيرة إثباتا.
ج - (النظرية الثالثة المفترضة في المقام) أن التركيب التحليلي المستفاد من لفظ المشتق راجع لتعدد الدال والمدلول في جذور اللغة العربية، وبيان ذلك يعتمد على ذكر أمرين:
1 - إن اللغة - كما ذكر علماء الاجتماع - ظاهرة حية كسائر الظواهر الاجتماعية، خاصة لقانون التغير والتشعب، فاللغة السامية - التي هي أم اللغات - قد انشعبت لما يقرب من ثلاثة آلاف لغة، واللغة العربية بنفسها