أما مرحلة الجعل والانتخاب فهي عملية اعتبارية كما سبق بيانه، وتعني جعل اللفظ بإزاء المعنى. وهذا الاعتبار الأدبي يمكن صياغته بعدة صور وألوان، منها التخصيص ومنها جعل الملازمة ومنها جعل الهوهوية ومنها التعهد ومنها القرن المؤكد، فهذه المسالك كلها مقبولة عندنا على مستوى المرحلة الأولى، لأنها صياغات متعددة لاعتبار أدبي واحد.، واختلافها يكشف عن اختلاف المستوى الثقافي والذوقي والظرف الحضاري الذي ينمو فيه هذا التفكير وهذا المسلك.
وأما مرحلة الإشارة فقد تكون عملية مقصودة من قبل الواضع في تكراره الاستعمال وتكثير القرائن المشيرة والعوامل المرسخة للعلاقة بين اللفظ والمعنى، وفي الغالب لا تكون عملية مقصودة بل هي أمر تكويني، وهو كثرة الاستعمال والاطلاق وحمل اللفظ على المعنى مع القرائن وهذا ما يسمى بالعامل الكمي، أو توافر قرائن سياقية ومقامية مع، عوامل مثيرة تساعد على تأكد العلاقة الوضعية بين اللفظ والمعنى وهذا ما يسمى بالعامل الكيفي.
وأما المرحلة الثالثة فهي مرحلة تحقق العلاقة الوضعية في نظرية المشهور، وهي سببية تصور اللفظ لتصور المعنى. وهي عندنا مقدمة قريبة لحصول العلاقة الوضعية، والعلاقة عندنا هي درجة أرقي من ذلك وهي حصول الهوهوية والاندماج بين صورة اللفظ وصورة المعنى، وهذا ما تعرضنا لشرحه سابقا.