الحديث التي نشأت كرد فعل لامتداد مدرسة الرأي وتجسدت في المذهب الحنبلي والمالكي أكثر من بقية المذاهب فقد أفرطت في الاعتماد على الحديث بمجرد كونه خبر ثقة من دون ملاحظة القواعد العامة، وقد تأثر بكل واحدة من المدرستين بعض علماء الشيعة كما حكي عن ابن الجنيد في قوله بالقياس إن صح ذلك وحكي عن بعض آخر ما يناسب أقوال الحشوية. لذلك ومن هذا المنطلق خاض علماء الشيعة الفكر الأصولي وبدأ الدور الأول من مسيرته في مواجهة مدرسة الرأي ومدرسة الحديث ومن تأثر بهما من علماء الإمامية، فكتبت رسائل في عدم حجية القياس وفي الحديثين المختلفين من بعض بني نوبخت وغيرهم كما يلاحظ في كتب الرجال، وذكر الشيخ الطوسي في الفهرست والسيد المرتضى في الانتصار معارضات حادة لمنهج ابن الجنيد (1)، كما كتب (2) الشيخ المفيد رسالة في بطلان القياس وكتاب مقابيس الأنوار في الرد على أهل الأخبار، وهذه الرسائل أعطت الفكر الأصولي نضجا وتطورا ملحوظا كما في عدة الشيخ الطوسي، ثم استمر الفكر الأصولي بعد رحيل الطوسي بين تطور وتوقف، ففي عصر الديالمة تقدم بعض الخطوات لوجود التنافس الفكري ولكنه توقف عن حركة التطور في عصر السلاجقة لوجود الضغط والتضييق، ورجع للتفوق بعد غزو التتار لانفتاح آفاق الحرية الفكرية آنذاك فقد أبرز المحقق والعلامة في التذكرة والمعتبر مدى عمق الفكر الأصولي في الفقه المقارن، وهذه الفترة الزمنية وإن كانت قصيرة إلا أنها وضعت بصماتها حتى على فكر بعض علماء المذاهب الأخرى، فقد ذكر أبو زهرة في كتابه (ابن تيمية) أن ابن تيمية تأثر بالفقه الشيعي المعاصر له، كما يظهر من بعض مسائل الطلاق في فقهه، وبعد
(١٦)