ان قلت: على هذا لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى، ولزم كون مثل كلمة (من)، ولفظ الابتداء مترادفين صح استعمال كل منهما في موضع الآخر، وهكذا سائر الحروف مع الأسماء الموضوعة لمعانيها، وهو باطل بالضرورة، كما هو واضح.
قلت: الفرق بينهما، انما هو في اختصاص كل منهما بوضع، حيث إنه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه، والحرف ليراد منه معناه لا كذلك، بل بما هو حالة لغيره - كما مرت الإشارة اليه غير مرة. فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجبا لعدم جواز استعمال أحدهما في موضع الآخر، وان اتفقا فيما له الوضع. وقد عرفت
____________________
(1) هذا الايراد الثالث، وهو أيضا غير مختص بتعدد اللحاظ، بل يرد حتى مع عدم التعدد، وحاصله: انه كما أن المعنى إذا كان آليا وحرفيا لابد من لحاظه، كذلك فيما كان استقلاليا وإسميا لابد من لحاظه، فإذا كان لحاظه في مقام الآلية موجبا لجزئيته فليكن لحاضه في مقام الاستقلالية موجبا لجزئيته، لوضوح انه ما لم يلحظ المعنى لا يعقل ان يتحقق استعمال أصلا، فإذا كان اللحاظ في الآلية موجبا للجزئية، فليكن اللحاظ في الاستقلالية موجبا لذلك أيضا. ولا ريب عندهم في عدم دخول اللحاظ في مقام الاستقلالية في المعنى الموضوع له والمستعمل فيه. وقد صرحوا: بأن الوضع في الابتداء عام والموضوع له عام، ولكن الوضع في (من) عام والموضوع له خاص، ولم يعرف ويتضح السبب من جزئية المعنى الحرفي دون الاسمي، ولذا قال (قدس سره): ((وبالجملة ليس المعنى في كلمة (من) ولفظ الابتداء... إلى آخره فليكن كذلك فيها)).