ويمكن دفعه أولا بأنه وإن كان يقتضي وجوب الاجتناب عن الجميع هناك أيضا إلا أنه خرج ذلك بالدليل، لقيام الاجماع على عدم وجوبه، وقضاء العسر والحرج به، مضافا إلى الفرق الظاهر بين المحصور وغير المحصور، حيث إن احتمال إصابة الحرام في المحصور مما يعتد به في العادة، بخلاف غير المحصور وقد مر تفصيل القول فيه.
الثالث: أن أحد المشتبهين محرم، وكل محرم يجب الاجتناب عنه، فالاجتناب عن الحرام المفروض واجب، أما الكبرى فظاهر، وأما الصغرى فلقضاء ما دل على تحريم ذلك الشئ بدورانه مدار التحريم الواقعي، والمفروض حصول العلم بوجوده في المقام، وأيضا المفروض في المقام اشتباه الفرد الحلال بالفرد الحرام، مع تحقق الأمرين، فلولا وجود الفرد الحرام لم يتحقق الفرض المذكور.
غاية الأمر أن يدعى حصول الإباحة من جهة الاشتباه، لقيام الدليل عليه كذلك، وإذا ثبت تحريم المصداق المفروض تخصص به القاعدة الدالة على الإباحة، بل كان خارجا عنها، للعلم بحصول التحريم بالنسبة إليه. وحيث إن الخارج مجهول دائر بين الأمرين كانت القاعدة المذكورة بالنسبة إليه كالعام المخصص بالمجمل، فلا حجية فيها بالنسبة إلى مورد الاشتباه، فلا دليل إذن على حلية شئ منهما في الظاهر، ولا كلام ظاهرا بعد ذلك في عدم جواز الإقدام عليه، فإن القائل بجواز الإقدام انما يقول به من جهة اندراجه تحت الأصل المذكور، ومع الغض عنه فالعقل حاكم في مثله بعد دوران الأمر بين الوجهين وعدم قيام دليل في الظاهر على البناء في خصوص كل من الأمرين على المنع من الإقدام، حسب ما مر بيانه في الوجه المتقدم.
الرابع: ما روي عنه (عليه السلام) " انه ما اجتمع الحرام والحلال إلا غلب الحرام الحلال " (1) وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة إلا أنها مجبورة بعمل الأصحاب.
وحملها على خصوص صورة الامتزاج مما لا داعي إليه. ودعوى ظهور تلك