فاختيار الوجه الأول قاض بتحريم الحلال وإجراء حكم النجس على الطاهر، للعلم بحلية أحدهما وطهارته، فكيف! يحكم بالتحريم بالنسبة إليهما ويسلب حكم الطاهر عنه، فما يجاب به بناء على اختيار هذا الوجه يجاب به على التقدير الآخر.
الثاني: إنا نختار الوجه الأول من الوجهين الأخيرين، وما قيل: من أنه يؤدي إلى آخره. إن أريد به الحكم بحلية الحرام بحسب الواقع وكذا طهارة النجس كذلك فهو فاسد، إذ لا كلام في ثبوت التحريم والنجاسة في الواقع، ولذا لا يجوز الإقدام عليهما مجموعا. وإن أريد أداؤه إلى الحكم في الظاهر بجواز الإقدام على ما هو محرم في الواقع مع عدم العلم بالإقدام على خصوص الحرام حين التلبس بكل منهما فبطلانه أول الدعوى، وأي مانع من ذلك بعد وضوح ثبوت كون الجهل عذرا للمكلف في موارد شتى؟
الثالث: إنا نختار الوجه الثاني، وما قيل: من لزوم الترجيح بلا مرجح، إنما يتم إذا قلنا بحلية أحدهما بالخصوص وحرمة الآخر كذلك، وأما إذا قلنا بحلية أحدهما وحرمة الآخر في الجملة فلا.
فإن قلت: لا وجه للقول بإباحة المبهم وحرمته، فإن الترك والإتيان إنما يكون للمعين فيتعين الوجه الأول ويلزم المحذور. وهذا هو الذي رامه المستدل.
قلت: المقصود حرمة أحدهما وحلية الآخر على وجه التخيير بأن يكون المكلف مختارا في الإقدام على أي منهما، وبعد الإقدام عليه لا يجوز له الإقدام على الآخر، على حسب ما ذكرناه في تقرير القول الثالث من الأقوال المذكورة، فلا يرد عليه شئ من المحذورين.
ويمكن الذب عن الأول: بأنه لما كان الإقدام على الحرام مؤديا إلى الضرر قاضيا بورود المفسدة على من يقدم عليه بخلاف ترك الحلال إذ لا محذور فيه كان مقتضى العقل عند دوران الأمر بين الأمرين هو ترجيح جانب الترك، لحصول الأمن من الضرر في البناء عليه بخلاف جانب الفعل، لما فيه من خوف الإقدام