ثانيها: أن الفقيه إنما يصدق بعد المعرفة بقدر يعتد به من الأحكام، فإن القادر على استنباط المسائل من الأدلة لا يعد فقيها في العرف قبل تحصيله العلم بقدر يعتد به من الأحكام، حسب ما مرت الإشارة إليه عند تعريف الفقه، كما هو الحال في المتكلم، والنحوي، والصرفي، وغيرها. وحينئذ نقول: إن الاستفراغ الحاصل منه قبل حصول الفعلية المذكورة اجتهاد مع أنه غير حاصل من الفقيه، فلا ينعكس الحد.
ثالثها: أن الحد المذكور إن كان تحديدا للاجتهاد الصحيح فلا بد من ضم قيود اخر لينطبق على المحدود، وإن كان تحديدا للأعم فلا وجه لأخذ الفقيه في الحد.
رابعها: أن استفراغ الوسع غير معتبر في تحصيل كل من الأحكام، بل وأقصى ما يلزم المجتهد ذلك في المسائل المفصلة، وأما سائر المسائل مما لا يكون بتلك المثابة فلا يلزم فيها ذلك.
توضيح ذلك: أن أقصى ما يجب على المجتهد هو الاطمئنان بتحصيله ما يستفاد من الأدلة الموجودة، وذلك قد يحصل بأول نظرة في المسألة، كما في كثير من المسائل التي مداركها ظاهرة وقد لا يحصل إلا بعد استفراغ منتهى الوسع، كما في بعض المسائل المشكلة، وقد يكون بين الأمرين. ومن البين تحقق الاجتهاد في جميع ذلك فلا ينعكس الحد أيضا.
خامسها: أن جملة من الأدلة الفقهية ليست مفيدة للظن بالواقع، بل إنما يكون حجة على سبيل التعبد وإن لم يفد ظنا بالواقع، كما هو الحال في الاستصحاب وأصالة البراءة، بل وكذا الحال في مداليل الألفاظ في كثير من الموارد، حسب ما نبهنا عليه في المباحث السالفة، فليس هناك تحصيل ظن بالأحكام في كثير من الأحيان، مع أن تحصيل الحكم المستفاد من تلك الأدلة يندرج في الاجتهاد قطعا فلا ينعكس أيضا.
سادسها: أنه قد يتوقف الفقيه في الحكم بعد اجتهاده في المسألة، فليس هناك تحصيل ظن بالحكم الشرعي مع استفراغه الوسع في ملاحظة الأدلة، وكون استفراغه المذكور اجتهادا قطعا.