والوجوه الثلاثة متقاربة، إلا أن الوجه الأخير أخص مطلقا، إذ قد يرتفع العلم الاجمالي على تقدير كون ذلك حراما نظرا إلى احتمال انطباق ذلك الاجمال عليه، ومع ذلك يعد من غير المحصور أيضا. فأظهر الوجوه هو الأول إلا أنه لا يفارق الثاني، بل ولا الثالث في الأغلب.
وإن كان ما وقع فيه الاشتباه محصورا فالمعروف من المذهب هو المنع من الإقدام على كل من الأفراد التي وقع فيها الاشتباه، وعدم جواز التصرف في شئ منها حتى يزول الاشتباه بوجه شرعي من غير فرق بين الإقدام عليها في نفسها أو في أداء واجب يتوقف على المباح منها، كاستعمال أحد الإنائين المشتبهين بالمغصوب أو النجس في الوضوء أو الغسل فيسقط ذلك الواجب المتوقف عليه، إلا أن يغلب جهة وجوبه على تحريم ذلك المحرم، كما هو الحال في بعض الواجبات. وهذا هو الذي ذهب إليه المعظم، بل حكاية الاجماع عليه مستفيضة في خصوص بعض المقامات كمسألة الإنائين المشتبهين.
وذهب بعض المتأخرين إلى كون الشبهة محللة للحرام، بمعنى جواز الإقدام عليه في حال الاشتباه، بحيث لا يعلم حين ما يقدم عليه كون ذلك إقداما على الحرام فيجوز الإقدام على جميع تلك المشتبهات إلى آخرها وإن لم يجز الإقدام عليها مجموعا، للعلم بالتعرض للحرام في ذلك الإقدام الخاص. وقد ذهب إلى ذلك بعض المتأخرين ولم نجد القول به من أحد من المتقدمين.
وذهب بعض آخر من المتأخرين إلى جواز الإقدام إلى أن يحصل العلم بالإقدام على الحرام، فإن وقع الاشتباه بين الفردين جاز التصرف في كل منهما انفرادا، ومع التصرف في أحدهما يحرم التصرف في الآخر. وإن كان الاشتباه بين الثلاثة وكان الحرام المشتبه واحدا جاز التصرف في كل منها انفرادا أيضا وفي اثنين منها انفرادا ومجتمعا، ومع حصول التصرف فيهما يحرم التصرف في الثالث.
وإن كان الحرام اثنين جاز التصرف في كل منها انفرادا أيضا، إلا أنه مع الإقدام على واحد منها لا يجوز التصرف في شئ من الآخرين.