وأما ما كان من الثالث - أعني ما كان الحرام ممتزجا مع الحلال على نحو لا يمتاز أحدهما عن الآخر - فلا إشكال في تحريم استعمال الجميع، إذ استعمال كل جزء من المباح استعمال لجزء من الحرام المنضم إليه. وفي بعض صور المسألة يحصل الإشاعة والشركة القهرية فيكون استعمال المباح استعمالا للحرام.
نعم في بعض صور امتزاج الحرام يحكم بالحل - كما إذا استهلك الحرام الطاهر في الماء، أو كان نجسا ولم يتنجس به الماء، لاعتصامه وعدم تغير أحد أوصافه - فإن الظاهر حله وإن كان عينه موجودا بحسب الواقع.
وتوضيح الكلام في ذلك: أن حرمة المحرم قد يتبع اسمه - كالطين - فإن خرج بالامتزاج عن اسمه، كاستهلاك الطين في الماء أو غيره انتفى التحريم. وكذا لو دار مدار وصف ينتفي بالامتزاج كالاستخباث في وجه. وإن كان دائرا مدار حقيقته فإن حصل استهلاكه في الماء على الوجه المذكور قضى بحله، لما دل على طهارة الماء وطهوريته. وأما الاستهلاك في غير الماء من الجوامد فلا يقضي بالحل. وفي سائر المائعات إشكال، ويقوى البناء على التحريم في غير المضاف. هذا كله إذا لم يكن التحريم من جهة كونه ملك الغير.
أما إذا كان من جهة كونه ملكا للغير، فالظاهر عموم المنع في جميع الصور ولو كان قليلا غير متمول في وجه قوي، بناء على كون التصرف تابعا لملكيته لا ماليته كما هو الظاهر.
نعم لو حصل إتلافه بالامتزاج - كما إذا قطر قطرة من الدبس الحرام في الماء - فالظاهر عدم المنع، ولو ظهر أثره فيه كماء الورد ونحوه من المعطرات والأدوية القوية الآثار قوي المنع وإن استهلك فيه والظاهر عدم صدق التلف فلا يبعد القول بحصول الشركة لمالكه بالنسبة. ولو كان الممازج مماثلا فالظاهر عدم حصول الاستهلاك ولو كان قليلا، وكذا عدم صدق التلف بامتزاجه. فتأمل.
وأما القسم الرابع: وهو ما إذا كانت الشبهة من جهة وجود الحلال والحرام معا واشتباه مصداق أحدهما بالآخر، فإن كان ما وقع فيه الاشتباه من الأفراد غير محصور فلا إشكال في الحل وجواز التصرف.