ويدل عليه أمور:
الأول: الاجماع المعلوم والمنقول في لسان جماعة، بل الضرورة قاضية به في الجملة، فإن وجود ماء نجس في العالم إذا احتمل أن يكون ما عندنا من الماء هو ذلك النجس وكذا حرمة شئ كذلك لا يقضي بالمنع من التصرف فيما عندنا من جهة الاحتمال المذكور إذا لم نعلم نجاسته أو حرمته، وهو ظاهر.
الثاني: لزوم العسر والحرج لولاه وهو منفي في هذه الشريعة آية ورواية.
وما يورد في المقام أولا: من أن لزوم العسر والحرج لا يقضي بالحل والطهارة، غاية الأمر جواز التصرف من جهة الضرورة كأكل الميتة في المخمصة، فإنه لا يفيد حل الميتة حينئذ بالذات ولا طهارتها. غاية الأمر جواز الإقدام على أكلها من جهة الضرورة وأين ذلك من المقصود في المقام. وثانيا: أن الحل الحاصل بسبب العسر والحرج إنما يتبع حصول ذلك، ومن البين أن الاجتناب من غير المحصور ليس عسرا وحرجا في جميع الأزمان بالنسبة إلى جميع الأشخاص. ألا ترى أن من يزاول الصحاري المتسعة يعسر عليه الاجتناب من جميعه بسبب علمه ببول شخص في مكان غير معين منه، بخلاف من يجتاز فيها ولا يحتاج إلى ملاقاة شئ منها. وقد يتحقق العسر والجرح في الاجتناب عن المحصور أيضا في محل الحاجة والضرورة إليه، فلا بد إذن من بناء الأمر على الدوران مدار الضرورة والحرج اللازم وعدمها دون انحصار الشبهة وعدمه مدفوع.
أما الأول: فبأن لزوم العسر والحرج قد ينافي تشريع الحكم، وقد يقضي بالجواز في محل الضرورة، فإن ثبت الحرج والمشقة في أصل تشريع الحكم بأن حصل الحرج في أغلب موارده لم يقع من الشارع تشريع لمثله، وإن لم يكن هناك حرج في أغلب موارده بل اتفق هناك حرج وضيق في الاجتناب عنه في بعض الموارد فلا ينافي ذلك تشريع أصل الحكم، وإنما يقضي بالرخصة في محل الضرورة، كما في أكل الميتة في المخمصة. فما ذكره من أن العسر والحرج لا يقضي بالحل والطهارة مستشهدا بأكل الميتة كما ترى.