فظهر بما قررناه ضعف القول المذكور، لانحصار مداركه حسب ما عرفت في الوجوه المذكورة، وبظهور وهنها يظهر وهن القول المذكور.
حجة القول الثالث: أما بالنسبة إلى جواز التصرف ما لم يحصل العلم بارتكاب الحرام فبالوجوه المتقدمة. وأما بالنسبة إلى المنع من الإقدام بما يحصل معه العلم باستعمال المحرم فبأنه كما يحرم ارتكاب المحرم الواقعي، كذا يحرم تحصيل اليقين بارتكاب الحرام، وهو حاصل بارتكاب الفرد الآخر الذي يوجب العلم بارتكاب الحرام الواقعي، فارتكاب الفرد الآخر مقدمة لتحصيل اليقين بارتكاب الحرام، ومقدمة المحرم محرمة، فيكون ارتكاب الفرد الآخر محرما من هذه الجهة لا من جهة كونه حراما بحسب الواقع، ضرورة كون نسبة التحريم إليهما على وجه سواء، فلا معنى للترجيح حتى يقال بإباحة أحدهما وحرمة الآخر.
وأورد عليه تارة: بمنع كون مقدمة الحرام حراما، ويمكن دفعه: بأن مقدمة الحرام إن كان شرطا للحرام وما بمعناه فمن الظاهر عدم تحريمه، نعم إن قصد به فعل المحرم كان محرما من جهة أخرى، لا من جهة كونه مقدمة، وهو غير المقصود في المقام. وأما إذا كانت علة مقتضية لحصول المحرم فالظاهر أنه لا مجال للتأمل في تحريمه، حسب ما قرر في محله، كما هو الحال في المقام.
وأخرى: بمنع كون تحصيل العلم بارتكاب الحرام محرما، وإنما المحرم هو الإتيان بالحرام، كيف ولو كان تحصيل العلم بارتكاب الحرام حراما لحرم أن يتجسس الانسان عن تحريم ما فعله بحسب الواقع حتى يعلم حرمته، كما إذا تصرف في شئ أو أكل أو شرب ثم حصل له الشك في تحريمه، أو كان شاكا فيه من أول الأمر على وجه لا يقتضي المنع منه، ثم بعد التعرض له استعلم حاله فعلم تحريمه، ومن الواضح عدم تحريم ذلك بوجه من الوجوه.
فإن قلت: إنه لا تحريم هناك حال التعرض نظرا إلى جهل التكليف، غاية الأمر حصول التحريم حال العلم بما يستكشف به تحريم ما فعله، لا حين ما أتى به حتى يكون محرما، نظرا إلى ما ذكر بخلاف المشتبهين، للعلم بحرمة أحدهما