فكيف يصح القول بكون الخطاب الثاني أو تعلقه عين رفع الأول؟! وكان ما ذكروه من كون الخطاب الأول منسوخا والثاني نسخا - لو سلم - مبني على التسامح في التعبير، هذا.
وقد ظهر بما قررنا في تفسير النسخ الفرق بينه وبين التخصيص، إذ ليس التخصيص إلا بيانا لمفاد العام ورافعا لدلالته على العموم بحمله على إرادة الخاص بخلاف النسخ، فإنه رافع لمدلول المنسوخ من دون بعث على خروج اللفظ عن ظاهره، واستعماله في غير ما وضع له حسب ما أشرنا إليه، هذا إن جعلنا النسخ رفعا للحكم على سبيل الحقيقة.
وأما إن جعلناه رافعا له في الظاهر نظرا إلى ما ظهر من قيام المنسوخ، فبعد ظهور النسخ يكون كاشفا مبينا عن انتهاء مدة الحكم، وأن غايته في الواقع بلوغ ذلك الزمان، فلا فرق بينه وبين التخصيص في ذلك، إنما الفرق بينهما إذن في كون النسخ تخصيصا للحكم ببعض الأزمان، والتخصيص بالنسبة إلى الأحوال والأفراد فهو إذا بحسب الحقيقة نوع من التخصيص وإن فارقه في بعض الأحكام، بل يندرج في التخصيص المعروف وإن كان هناك عموم لغوي يفيد شمول الحكم للأزمان، وإلا كان تقييد الإطلاق ما دل على شمول الحكم كذلك، ولذا جاز اتصاله إذن بالخطاب الأول كأن يقول: افعل هذا إلى الزمان الفلاني، وانفصاله عنه كأن يقول بعد مضي مدة زمن (1) الخطاب الأول: إن ما ذكر من استمرار الحكم إنما أريد به استمراره إلى هذا الزمان، فهذا بالنسبة إلى ما دل على شمول الحكم للأزمان تخصيص لا رفع فيه، وبالنسبة إلى نفيه (2) الحكم الثابت نسخ حيث رفع الثابت، هذا مع تراخيه.
وأما مع الاتصال فليس إلا تخصيصا، إذ لا ثبوت للحكم إذن على وجه الدوام حتى يكون ذلك المخصص رافعا له وكيف كان، فالفرق بينه وبين التخصيص حينئذ كون النسخ رفعا للحكم الثابت بحسب الظاهر بخلاف