فالمعروف من المذهب هو الأول، بل الظاهر إطباق القائلين بالحسن والقبح عليه عدا شذوذ منهم، فإنهم يقولون بالملازمة بين حكم الشرع والعقل فكل ما حكم به العقل حكم به الشرع وبالعكس.
وقد خالف فيه بعض العامة، حكاه الزركشي عن جماعة من العامة واختاره، قال: وحكاه الحنفية عن أبي حنيفة نصا، وقد مال إليه صاحب الوافية من أصحابنا، إلا أنه تردد في المقام. وكيف كان، فلم يحكم بثبوت الملازمة المذكورة، واستشكل في الحكم بثبوت الحكم في الشريعة بعد استقلال العقل في الحكم بثبوت حسن الفعل أو قبحه، وقد تبعه في ذلك السيد الشارح لكلامه.
وقد ينسب إلى بعض الجماعة المتقدمة القول بإنكار الملازمة المذكورة وليس كذلك، بل قد صرح غير واحد منهم بثبوت الحكم إذا قضى به الضرورة العقلية حسب ما مر. نعم قد يومئ إليه بعض أدلتهم، وليس صريحا فيه، فلا وجه للنسبة المذكورة.
وقد ظهر بما قررناه أنه قد وقع الكلام في المرام في مقامات ثلاثة، إلا أنه لما كان الخلاف المعروف في المقام هو النزاع مع الأشاعرة، وكان ذلك هو المعنون في الكتب الكلامية والأصولية، وكان أصل نزاعهم في المسألة إنما هو في المقام الأول، وإنما منعوا من الثاني لتفرعه على الأول لم يفرقوا في المقام بين الأمرين، وجعلوا المسألتين مسألة واحدة، لما عرفت من اتحاد المناط في البحث معهم في المقامين، لكن أدلتهم المعروفة في الكتب الكلامية والأصولية إنما تفيد ثبوت الحسن والقبح في الجملة، إذ ليس احتجاجاتهم في المسألة إلا من جهة إدراك العقل لحسن بعض الأفعال وقبحه في الجملة، وكأنهم اكتفوا بذلك عن إثبات الكلية لعدم القول بالفصل كما ادعاه بعض الأجلة ويعطيه تتبع كلماتهم في المسألة أو لأنه المثمر في الأحكام الشرعية.
وأما تلك الدعوى - مع قطع النظر عن إدراك العقل لخصوص الحكم فيها - فلا يظهر لها ثمرة مهمة. وكيف كان، فتلك الأدلة كافية في إبطال ما اختاره الأشاعرة،