أحكام عقلية - من حسنها وقبحها ليكون حكم الشرع على وفق مقتضياتها كاشفة عن تلك الصفات الواقعية الحاصلة لها، فيكون تشريعه للشرائع من جهة إرشاده العباد إلى ما فيه صلاحهم وتحذيرهم عما يترتب عليه فسادهم، لقصور عقولهم عن إدراك ما فيه هلاكهم ونجاتهم - أو أنها لا حكم لها بملاحظة أنفسها مع قطع النظر عن أمر الشارع بها أو نهيه عنها، فهي حسنة بأمره قبيحة بنهيه، خالية عن الأمرين مع انتفاء الخطابين، وهذا هو الذي ذهب إليه الأشاعرة والظاهر مما حكي إنكارهم للحسن والقبح بالمعنى الأول بعد خطاب الشرع أيضا، وإنما حسنها وقبحها عندهم هو مجرد كونها متعلقا لأمر الشارع ونهيه من غير استحقاق مدح عقلا على الامتثال، أو ترتب ذم على تركه، وهذا هو الظاهر من مذهبهم، لأنهم يعزلون العقل من منصب الحكومة بالمرة، فلا فرق عندهم في نفي العقل باستحقاق المدح والذم بين ما إذا كان قبل تعلق أمر الشارع ونهيه وبعده، إذ كونه متعلقا لذلك وجه من الوجوه واعتبار من الاعتبارات المحسنة والمقبحة عند العقل على مذهب العدلية، ضرورة أن طاعة المولى والمنعم الحقيقي من أعظم الجهات المحسنة، وكذا عصيانه ومخالفته من أعظم الوجوه المقبحة.
وقضية أدلتهم الآتية نفي الحكومة عن العقل، كيف؟ ولو جوزوا حكمه في المقام لجرى في غيره أيضا، فالظاهر أنهم يجوزون أن يجعل الشارع من أطاع أوامره موردا للذم ومن عصاه موردا للمدح كما يقتضيه بعض أدلتهم، فينعكس الأمر. فما في شرح المواقف وشرح القوشجي من تفريع استحقاق المدح والذم على تعلق الأمر والنهي عندهم وأن استحقاق المدح والذم إنما كان بسبب أمر الشارع بالفعل ونهيه عنه ليس على ما ينبغي، فليس الحسن والقبح عندهم إلا مجرد كونه متعلق حكم الشارع باستحقاق المدح على فعله وحكمه باستحقاق الذم عليه كما نصوا عليه، ومنهم الرازي في الأربعين، وغيره.
ثم إن الكلام في هذا المقام في الإيجاب والسلب الكليين، فكل من المثبتين والنافين يقول به كليا وينفيه كذلك، والقول بالتفصيل وإن أمكن إلا أنه حكي الاتفاق على خلافه وإن كان للمناقشة فيه مجال كما سيأتي.