وغير ذلك من الأمور التي لا يقتضي ترتب الثواب على العمل كان مندرجا في الآية قطعا ولا إشعار في هذه الأخبار بقبوله فكيف يعقل القول بكون المعارضة بينهما من قبيل العموم المطلق؟!
فإن قلت: تسليم كون المعارضة بينهما من قبيل العموم من وجه كاف في سقوط الإحتجاج المذكور، إذ لا بد إذن من الرجوع إلى المرجحات الخارجية، ولا ريب أن الأصل ومقطوعية المتن مرجحان للعمل بالآية الشريفة، سيما بملاحظة ما ورد من عرض الأخبار على الكتاب.
قلت: دلالة الأخبار المذكورة أوضح وأبين في جواز العمل بخبر الفاسق في ذلك من دلالة الآية على المنع، سيما بملاحظة ما حكم فيها من جريان الحكم ولو على فرض كذب الخبر، فيقدم على إطلاق الآية.
وأجيب عنه أيضا: بأن مفاد الآية الشريفة عدم جواز العمل بقول الفاسق من دون تثبت، والعمل في ما نحن فيه ليس كذلك، لورود تلك المعتبرة بجواز العمل بها، فيكون ذلك تثبتا في خبر الفاسق وعملا به بعد التثبت. كذا ذكره غير واحد من الأجلاء.
أقول: يرد عليه: أن التبين المأمور به في الآية هو التجسس من صدق الخبر وكذبه، وهو غير حاصل بهذه الأخبار، إذ مفاد هذه الروايات هو العمل بمضمونها وإن لم يطابق الواقع من دون حاجة إلى التعيين والتثبت، فمفادها مناف لما دلت عليه الآية الشريفة في الجملة، فإن كانت أخص منها عملنا بها وخصصنا الآية من جهتها، لكنها كما عرفت أعم من وجه حسب ما ذكره المورد.
والتحقيق في الجواب أن يقال: إنه ليس حكمنا باستحباب ما دل خبر الفاسق على ترتب الثواب عليه عملا بقول الفاسق ليجب رده قبل التبين، وإنما هو من جهة العمل بهذه الأخبار المعتبرة الحاكمة به، فيكون مجئ الفاسق بالخبر محصلا لموضوع الحكم الثابت بهذه الأخبار من دون أن يكون هناك اتكال على الفاسق أصلا حسب ما قدمنا الإشارة إليه.