الثاني: أنه لا يلزم من انتفاء العلة انتفاء المعلول، لإمكان استناده حينئذ إلى علة أخرى، سواء كانت من العلل الشرعية أو العقلية، فإن كون ارتكاب الفاحشة علة لإباحة الدم لا ينافي كون الردة علة لها، كما أن كون الشمس علة لتسخين الماء لا ينافي كون النار علة له أيضا.
ويمكن الجواب عن الأول تارة: بأن انتفاء علة التعريف يقتضي انتفاء معلولها وهو المعرفة بالحكم، فيصح نفيه بالأصل، فيمكن تقييد العموم أو الإطلاق بمفهوم العلة، إذ بعد فرض انحصار المعرف في العلة المفروضة لا يمكن المعرفة بالحكم في غير موردها، وبذلك يتم المقصود.
وتارة: أن مبنى كلام الأشعري واضح الفساد، وأما عندنا فالعلة المفروضة تقتضي اختصاص المصلحة الباعثة على تشريع الحكم المفروض بموردها فينتفي عن غيره.
وأخرى: بأن تعليق الحكم على العلة يقتضي إناطة الحكم بحصولها وجودا وعدما كائنة ما كانت على نحو العلل العقلية، فلا يتوقف ذلك على كونها علة، فيكون كسائر القيود المأخوذة في الحكم.
وعن الثاني أولا: بأن المعلول بعد انتفاء علته المذكورة إما أن يستند إلى علة أخرى، أو لا، فإن كان الأول لم يكن ما فرضناه علة، إذ العلة حينئذ أحد الأمرين.
وإن كان الثاني لزم وجود المعلول بدون العلة.
وثانيا: بأن نفس التعليل ظاهر في تعليق الحكم على وجود العلة وإناطته بها كما ذكر، فيدل على انتفائه بانتفائها، فيكون مدلولا التزاميا لظاهر اللفظ، فإذا قيل:
" الخمر حرام لإسكارها " دل على إناطة التحريم بالإسكار، فكأنه قال: المسكر حرام، فلو فرض ثبوت التحريم لغير المسكر واقعا لكان ذلك حكما آخر غير الحكم المعلل، فمع الشك فيه يتعين الرجوع إلى الأصل.
وثالثا: بأن تعليل الحكم الكلي بالعلة المفروضة ظاهر في الانحصار، إذ لا يمكن استناد الأمر الواحد بالاعتبار الواحد إلى علتين مستقلتين في التأثير،