فيندفع حينئذ بهذا التقرير ما يتوهم من المنافاة بين الوجوب وجواز الترك، إذ ليس الواجب هناك شيئا واحدا حتى يتخيل جواز تركه في أول الوقت ووسطه، بل الواجب أفعال عديدة على سبيل التخيير بينها، وجواز تركه حينئذ في الأول والوسط إنما هو من جهة التخيير المتعلق به، وهو لا ينافي الوجوب كما مر في الواجب المخير.
وأنت خبير بما فيه، إذ لا وجه للقول بتعلق الأمر أصالة بخصوص كل واحد من تلك الأفعال على سبيل التخيير، ليكون الواجب الموسع واجبا مخيرا على الوجه المذكور، ويكون الفرق بينه وبين غيره من الواجبات التخييرية مجرد ما ذكر، بل الحق عدم تعلق الأمر هنا أصالة بخصوص إيقاع الفعل في شئ من أجزاء الوقت، وإنما الواجب بالأصالة هنا فعل واحد، وهو الطبيعة المتعلقة للأمر المقيدة بعدم خروجه عن الزمان المفروض.
وتوضيح المقام: أنه إذا تعلق الأمر بطبيعة على وجه الإطلاق كان الواجب هو أداء تلك الطبيعة في أي وقت كان من غير أن يتعلق وجوبه بخصوص وقت من الأوقات، فنفس الطبيعة متصفة بالوجوب متعلقة للمنع من الترك بملاحظة ذاتها، مع قطع النظر عن خصوصيات الأوقات، من غير أن يكون خصوص إيقاعها في كل من تلك الأوقات الخاصة واجبا بالأصالة، لعدم تعلق الأمر بشئ منها، وإنما هي واجب لتوقف وجود (1) الفعل على الزمان، أو لكونه من لوازم وجوده، فالأمر المتعلق بالطبيعة إنما يقتضي وجوب تلك الطبيعة بالأصالة، وإنما يجب خصوصيات الأفراد المندرجة تحتها تبعا على سبيل التخيير لما ذكر، ولا يقضي ذلك بكون الفعل المتقيد بتلك الخصوصية واجبا بالتبع ومن باب المقدمة، نظرا إلى تعلق الأمر أصالة بنفس الفعل، وكون الفعل متحد مع الخصوصية بحسب الخارج، ضرورة كون الماهية والتشخص متحدين بحسب الوجود، وإنما يتعددان في تحليل العقل.