- كما في الوجه الأول - أو أريد لأجل الانتقال إلى غيره، كما في الوجه الثاني.
وقد مر بيان ذلك وأشرنا هناك إلى أن جملة من المجازات الجارية في المحاورات مندرجة في القسم الأخير، ومن جملتها الكناية في أحد وجهيها، ولذا صح قولك: " كثير الرماد أو طويل النجاد أو مهزول الفصيل " مع علم المتكلم والمخاطب بأنه لا رماد له ولا نجاد ولا فصيل، إذ ليس المقصود بالحقيقة من تلك الألفاظ إلا معانيها المجازية، وليس المقصود من إرادة معانيها الحقيقية سوى إحضار تلك المعاني ببال السامع لتجعل واسطة في الانتقال إلى غيرها، فيتعلق الإسناد بتلك المعاني المنتقلة إليها فلا كذب حينئذ في تلك الإخبارات أصلا، لعدم تعلق الإسناد بالمعاني الحقيقية مطلقا.
فتحقق بما ذكرنا كون اللازم مرادا في الكناية مع إرادة ملزومه، كما ذهب اليه صاحب المفتاح، غير أن إرادة اللازم في هذه الصورة بالأصالة وإرادة الملزوم بالتبع من جهة توسطه في الانتقال اليه.
ثالثها: أن يراد من اللفظ إفهام معناه الحقيقي استقلالا، لكن يراد مع ذلك الانتقال إلى ما يلزم ذلك أيضا، سواء كان ذلك لازما لنفس الحكم، أو لما تعلق به - أعني النسبة التامة المتعلقة للحكم - أو لخصوص المحكوم عليه أو المحكوم به وسواء كان ذلك اللازم هو مقصوده المسوق له الكلام، أو بالعكس، أو يكون الكلام مسوقا لإفهام الأمرين.
والظاهر إدراج ذلك على جميع وجوهه في الحقيقة باصطلاح أهل الأصول لاستعمال اللفظ حينئذ فيما وضع له، وليس المعنى الآخر مما استعمل اللفظ فيه بل إنما أريد إفهامه بعد إفهام المعنى الحقيقي وإرادته من اللفظ.
والفرق بينه وبين الوجه الثاني من الوجهين الأخيرين ظاهر، فإن المعنى الحقيقي غير مراد هناك إلا تبعا لإفهام المجازي، ولذا لم يتعلق به الحكم أصلا، فليس يراد حينئذ من أداء اللفظ إلا بيان معناه المجازي بخلاف الوجه الآخر، فإن