كأن يقول: " رأيت رقبة " أو " زرت رقبة " ونحوهما فظهر أنه إنما يدور الأمر في كل من تلك العلائق مدار ما قلناه.
والقول بأن الترخيص الحاصل في المجازات مقتض لصحة الاستعمال، وليس علة تامة في ذلك كما في أوضاع الحقائق، وحصول المقتضي إذا قارن وجود المانع - أعني منعهم من الاستعمال في خصوص بعض المعاني - لم يعمل عمله، فلا مانع من عدم اطراد العلائق وعدم جواز الاستعمال مع وجودها.
مدفوع: بأنه لا حاجة إلى التكلف المذكور، مع أن الظاهر من ملاحظة موارده عدم حصول المقتضي لصحة الاستعمال هناك، حيث إنه لا فارق بينها وبين المعاني التي ليست بينها وبين المعاني الحقيقية مناسبة ظاهرة كما هو ظاهر بعد ملاحظة العرف، لا أن المقتضي لصحة الاستعمال موجود هناك، وإنما يمنع عنها وجود المانع.
وقد يحتج للقول باعتبار نقل الآحاد تارة، بأن ما لم ينقل عن أهل اللسان خارج عن اللغة لانحصارها في الحقيقة والمجاز، وغير المنقول ليس من الأول قطعا ولا من الثاني، إذ المجاز اللغوي ما كان المتجوز فيه صاحب اللغة، فيخرج حينئذ عن العربية، فلا يصح استعماله فيه في تلك اللغة، ويقضي وجوده في القرآن بعدم كون جميعه عربيا وقد وصفه تعالى بكونه عربيا الظاهر في كون كله عربيا.
وتارة بأنه لو لم يحتج إلى نقل الآحاد لما ذكروا المعاني المجازية في كتب اللغة، واقتصروا على بيان المعاني الحقيقية، مع أنهم لا زالوا يذكرون المجازات حسب ما يذكرون الحقائق.
وأنت خبير بوهن الوجهين، أما الأول فبأن استعمال المجاز لما كان عن ترخيص الواضع صح اندراجه في العربي، لما عرفت من كون ذلك نحوا من الوضع، وأيضا يكفي في اندراجه في العربية وقوعه من أتباع أهل اللسان.
ألا ترى أن الحقائق العرفية العامة والخاصة غير خارجة عن اللسان العربي، مع أن الاستعمال هناك من جهة الوضع الخاص المغاير لوضع اللغة، بل وكذا الحال