وفي قوله " لا يبغون عنها حولا " تنبيه على رغبتهم فيها وحبهم لها مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائما أنه قد يسأمه أو يمله فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالا ولا ظعنا ولا رحلة ولا بدلا.
قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنقد كلمت ربي ولو جئنا بمثله مددا (109) يقول تعالى: قل يا محمد لو كان ماء البحر مدادا للقلم الذي يكتب به كلمات الله وحكمه وآياته الدالة لنفد البحر قبل أن يفرغ كتابة ذلك " ولو جئنا بمثله " أي بمثل البحر آخر ثم آخر وهلم جرا بحور تمده ويكتب بها لما نفدت كلمات الله كما قال تعالى " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم " وقال الربيع بن أنس إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها وقد أنزل الله ذلك " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي " يقول لو كانت تلك البحور مدادا لكلمات الله والشجر كله أقلام لانكسرت الأقلام وفني ماء البحر وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شئ لان أحدا لا يستطيع أن يقدر قدره ولا يثني عليه كما ينبغي حتى يكون هو الذي يثني على نفسه إن ربنا كما يقول وفوق ما نقول إن مثل نعيم الدنيا أولها وآخرها في نعيم الآخرة كحبة من خردل في خلال الأرض كلها.
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم أله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صلحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (110) روى الطبراني من طريق هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس الكوفي أنه سمع معاوية بن أبي سفيان أنه قال هذه آخر آية أنزلت يقول تعالى لرسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه " قل " لهؤلاء المشركين المكذبين برسالتك إليهم " إنما أنا بشر مثلكم " فمن زعم أني كاذب فليأت بمثل ما جئت به فإني لا أعلم الغيب فيما أخبرتكم به من الماضي عما سألتم من قصة أصحاب الكهف وخبر ذي القرنين مما هو مطابق في نفس الامر لولا ما أطلعني الله عليه وإنما أخبركم " أنما إلهكم " الذي أدعوكم إلى عبادته " إله واحد " لا شريك له " فمن كان يرجو لقاء ربه " أي ثوابه وجزاءه الصالح " فليعمل عملا صالحا " ما كان موافقا لشرع الله " ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له وهذان ركنا العمل المتقبل لا بد أن يكون خالصا لله صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن أبي حاتم من حديث معمر عن عبد الكريم الجزري عن طاوس قال: قال رجل يا رسول الله إني أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يرى موطني فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزلت هذه الآية " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " وهكذا أرسل هذا مجاهد وغير واحد وقال الأعمش: حدثنا حمزة أبو عمارة مولى بني هاشم عن شهر بن حوشب قال جاء رجل إلى عبادة بن الصامت فقال أنبئني عما أسألك عنه: أرأيت رجلا يصلي يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد ويصوم يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد ويتصدق يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد ويحج ويبتغي وجه الله ويحب أن يحمد فقال عبادة ليس له شي إن الله تعالى يقول: أنا خير شريك فمن كان له معي شريك فهو له كله لا حاجة لي فيه وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير حدثنا كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده قال كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبيت عنده تكون له الحاجة أو يطرقه أمر من الليل فيبعثنا فكثر المحبوسون وأهل النوب فكنا نتحدث فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ما هذه