يعني فيما ينقله لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شئ منها بالكلية فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض. وتأويل كعب قول الله " وآتيناه من كل شئ سببا " واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحفه من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق فإنه لا سبيل للبشر إلى شئ من ذلك ولا إلى الترقي في أسباب السماوات وقد قال الله في حق بلقيس " وأوتيت من كل شئ " أي مما يؤتى مثلها من الملوك وهكذا ذو القرنين يسر الله له الأسباب أي الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضي وكسر الأعداء وكبت ملوك الأرض وإذلال أهل الشرك قد أوتي من كل شئ مما يحتاج إليه مثله سببا والله أعلم.
وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي من طريق قتيبة عن أبي عوانة عن سماك بن حرب عن حبيب بن حماد قال: كنت عند علي رضي الله عنه وسأله رجل عن ذي القرنين كيف بلغ المشرق والمغرب؟ فقال سبحان الله سخر له السحاب وقدر له الأسباب وبسط له اليد.
فأتبع سببا (85) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا (86) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا (87) وأما من آمن وعمل صلحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا (88) قال ابن عباس " فأتبع سببا " يعني بالسبب المنزل، وقال مجاهد " فأتبع سببا " منزلا وطريقا ما بين المشرق والمغرب وفي رواية عن مجاهد " سببا " قال طرفي الأرض، وقال قتادة أي أتبع منازل الأرض ومعالمها، وقال الضحاك " فأتبع سببا " أي المنازل وقال سعيد بن جبير في قوله: " فأتبع سببا " قال علما وهكذا قال عكرمة وعبيد بن يعلى والسدي وقال مطر: معالم وآثار كانت قبل ذلك.
وقوله: " حتى إذا بلغ مغرب الشمس " أي فسلك طريقا حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب وهو مغرب الأرض وأما الوصول إلى مغرب الشمس من الأرض من ناحية المغرب وهو مغرب الأرض وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر وما يذكره أصحاب القصص والاخبار من أنه سار في الأرضي مدة والشمس تغرب من ورائه فشئ لا حقيقة له وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب واختلاف زنادقتهم وكذبهم وقوله: " وجدها تغرب في عين حمئة " أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه والحمأة مشتقة على إحدى القراءتين من الحمأة وهو الطين كما قال تعالى: " إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون " أي طين أملس وقد تقدم بيانه وقال ابن جرير: حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أنبأنا نافع بن أبي نعيم سمعت عبد الرحمن الأعرج يقول كان ابن عباس يقول في عين حمئة ثم فسرها ذات حمأة قال نافع: وسئل عنها كعب الأحبار فقال أنتم أعلم بالقرآن مني ولكن أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء، وكذا روى غير واحد عن ابن عباس وبه قال مجاهد وغير واحد: وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع عن ابن عباس عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه حمئة وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وجدها تغرب في عين حامية يعني حارة وكذا قال الحسن البصري وقال ابن جرير: والصواب أنهما قراءتان مشهورتان وأيهما قرأ القارئ فهو مصيب قلت ولا منافاة بين معنييهما إذ قد تكون حارة لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها وملاقاتها الشعاع بلا حامل وحمأة في ماء وطين أسود كما قال كعب الأحبار وغيره. وقال ابن جرير حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام حدثني مولى لعبد الله بن عمرو عن عبد الله قال نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت فقال: " في نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما