في مثل هذا المكان أحسن، يقول الرجل للرجل: لو فعلت هذا أي لكان كذا، قال الله تعالى: * (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم) * ولم يجيء له جواب وقال: * (ولو ترى إذا وقفوا على ربهم) * إذا عرفت هذا فنقول: ذكروا في جواب لو وجوها أحدها: قال الأخفش: * (لو تعلمون علم اليقين) * ما ألهاكم التكاثر وثانيها: قال أبو مسلم لو علمتم ماذا يجب عليكم لتمسكتم به أو لو علمتم لأي أمر خلقتم لاشتغلتم به وثالثها: أنه حذف الجواب ليذهب الوهم كل مذهب فيكون التهويل أعظم، وكأنه قال: * (لو علمتم علم اليقين) * لفعلتم مالا يوصف ولا يكتنه، ولكنكم ضلال وجهلة، وأما قوله: * (لترون الجحيم) * فاللام يدل على أنه جواب قسم محذوف، والقسم لتوكيد الوعيد، وأن ما أوعدا به مما لا مدخل فيه للريب وكرره معطوفا بثم تغليظا للتهديد وزيادة في التهويل.
المسألة الثانية: أنه تعالى أعاد لفظ كلا وهو للزجر، وإنما حسنت الإعادة لأنه عقبه في كل موضع بغير ما عقب به الموضع الآخر، كأنه تعالى قال: لا تفعلوا هذا فإنكم تستحقون به من العذاب كذا لا تفعلوا هذا فإنكم تستوجبون به ضررا آخر، وهذا التكرير ليس بالمكروه بل هو مرضي عندهم، وكان الحسن رحمه الله يجعل معنى * (كلا) * في هذا الموضع بمعنى حقا كأنه قيل حقا: * (لو تعلمون علم اليقين) *.
المسألة الثالثة: في قوله: * (علم اليقين) * وجهان أحدهما: أن معناه علما يقينا فأضيف الموصوف إلى الصفة، كقوله تعالى: * (ولدار الآخرة) * وكما يقال: مسجد الجامع وعام الأول والثاني: أن اليقين ههنا هو الموت والبعث والقيامة، وقد سمي الموت يقينا في قوله: * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * ولأنهما إذا وقعا جاء اليقين، وزال الشك فالمعنى لو تعلمون علم الموت وما يلقى الإنسان معه وبعده في القبر وفي الآخرة لم يلهكم التكاثر والتفاخر عن ذكر الله، وقد يقول الإنسان: أنا أعلم علم كذا أي أتحققه، وفلان يعلم علم الطب وعلم الحساب، لأن العلوم أنواع فيصلح لذلك أن يقال: علمت علم كذا.
المسألة الرابعة: العلم من أشد البواعث على العمل، فإذا كان وقت العمل أمامه كان وعدا وعظة، وإن كان بعد وفاة وقت العمل فحينئذ يكون حسرة وندامة، كما ذكر أن ذا القرنين لما دخل الظلمات (وجد خرزا)، فالذين كانوا معه أخذوا من تلك الخرز فلما خرجوا من الظلمات وجدوها جواهر، ثم الآخذون كانوا في الغم أي لما لم يأخذوا أكثر مما أخذوا، والذين لم يأخذوا كانوا أيضا في الغم، فهكذا يكون أحوال أهل القيامة.
المسألة الخامسة: في الآية تهديد عظيم للعلماء فإنها دلت على أنه لو حصل اليقين بما في التكاثر والتفاخر من الآفة لتركوا التكاثر والتفاخر، وهذا يقتضي أن من لم يترك التكاثر والتفاخر لا يكون اليقين حاصلا له فالويل للعالم الذي لا يكون عاملا ثم الويل له.
المسألة السادسة: في تكرار الرؤية وجوه أحدها: أنه لتأكيد الوعيد أيضا لعل القوم