يعطيه ما يساوي ما أعطاه وثانيها: قال مجاهد: لم يكن صاحبة كأنه سبحانه وتعالى قال: لم يكن أحد كفؤا له فيصاهره، ردا على من حكى الله عنه قوله: * (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) * فتفسير هذه الآية كالتأكيد لقوله تعالى: * (لم يلد) * وثالثها: وهو التحقيق أنه تعالى بين لما بين أنه هو المصمود إليه في قضاء الحوائج ونفي الوسائط من البين بقوله: * (لم يلد ولم يولد) * على ما بيناه، فحينئذ ختم السورة بأن شيئا من الموجودات يمتنع أن يكون مساويا له في شيء من صفات الجلال والعظمة، أما الوجود فلا مساواة فيه لأن وجوده من مقتضيات حقيقته فإن حقيقته غير قابلة للعدم من حيث هي هي، وأما سائر الحقائق، فإنها قابلة للعدم، وأما العلم فلا مساواة فيه لأن علمه ليس بضروري ولا باستدلالي ولا مستفاد من الحس ولا من الرؤية ولا يكون في معرض الغلط والزلل وعلوم المحدثات كذلك، وأما القدرة فلا مساواة فيها وكذا الرحمة والجود والعدل والفضل والإحسان! واعلم أن هذه السورة أربع آيات، وفي ترتيبها أنواع من الفوائد:
الفائدة الأولى: أن أول السورة يدل على أنه سبحانه واحد، والصمد على أنه كريم رحيم لأنه لا يصمد إليه حتى يكون محسنا و: * (لم يلد ولم يولد) * على أنه غني على الإطلاق ومنزه عن التغيرات فلا يبخل بشيء أصلا، ولا يكون جوده لأجل جر نفع أو دفع ضر، بل بمحض الإحسان وقوله: * (ولم يكن له كفوا أحد) * إشارة إلى نفي مالا يجوز عليه من الصفات.
الفائدة الثانية: نفي الله تعالى عن ذاته أنواع الكثرة بقوله: * (أحد) * ونفي النقص والمغلوبية بلفظ الصمد، ونفي المعلولية والعلية بلم يلد ولم يولد، ونفي الأضداد والأنداد بقوله: * (ولم يكن له كفوا أحد) *.
الفائدة الثالثة: قوله: * (أحد) * يبطل مذهب الثنوية القائلين بالنور والظلمة، والنصارى في التثليث، والصابئين في الأفلاك والنجوم، والآية الثانية تبطل مذهب من أثبت خالقا سوى الله لأنه لو وجد خالق آخر لما كان الحق مصمودا إليه في طلب جميع الحاجات، والثالثة تبطل مذهب اليهود في عزير، والنصارى في المسيح، والمشركين في أن الملائكة بنات الله، والآية الرابعة تبطل مذهب المشركين حيث جعلوا الأصنام أكفاء له وشركاء.
الفائدة الرابعة: أن هذه السورة في حق الله مثل سورة الكوثر في حق الرسول لكن الطعن في حق الرسول كان بسبب أنهم قالوا: إنه أبتر لا ولد له، وههنا الطعن بسبب أنهم أثبتوا لله ولدا، وذلك لأن عدم الولد في حق الإنسان عيب ووجود الولد عيب في حق الله تعالى، فلهذا السبب قال ههنا: * (قل) * حتى تكون ذابا عني، وفي سورة: * (إنا أعطيناك) * أنا أقول ذلك الكلام حتى أكون أنا ذابا عنك، والله سبحانه وتعالى أعلم.