لما كانت مساوية لهذه في الطبيعة والماهية فتلك النفوس المفارقة تميل إلى هذه النفس بسبب ما بينهما من المشاكلة والموافقة وهي أيضا تتعلق بوجه ما بهذا البدن وتصير معاونة لهذه النفس على مقتضيات طبيعتها فثبت بهذه الوجوه الثلاثة أن الذي جاءت الشريعة الحقة به ليس للفلاسفة أن يمتنعوا عنها لأن كلهم قد أقروا بما يقرب منه وإذا كان الأمر كذلك كان إصرار الجهال منهم على التكذيب باطلا والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا) * فهنا بحثان:
البحث الأول: أنه تعالى قال: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * (الزمر: 42) وقال: * (الذي خلق الموت والحياة) * (الملك: 2) فهذا النصان يدلان على أن توفي الأرواح ليس إلا من الله تعالى. ثم قال: * (قل يتوفاكم ملك الموت) * (السجدة: 11) وهذا يقتضي أن الوفاة لا تحصل إلا من ملك الموت. ثم قال في هذه الآية: * (توفته رسلنا) * فهذه النصوص الثلاثة كالمتناقضة.
والجواب: أن التوفي في الحقيقة يحصل بقدرة الله تعالى، وهو في عالم الظاهر مفوض إلى ملك الموت، وهو الرئيس المطلق في هذا الباب، وله أعوان وخدم وأنصار، فحسنت إضافة التوفي إلى هذه الثلاثة بحسب الاعتبارات الثلاثة والله أعلم.
البحث الثاني: من الناس من قال: هؤلاء الرسل الذين بهم تحصل الوفاة، وهم أعيان أولئك الحفظة فهم في مدة الحياة يحفظونهم من أمر الله، وعند مجيء الموت يتوفونهم، والأكثرون أن الذين يتولون الحفظ غير الذين يتولون أمر الوفاة، ولا دلالة في لفظ الآية تدل على الفرق، إلا أن الذي مال إليه الأكثرون هو القول الثاني، وأيضا فقد ثبت بالمقاييس العقلية أن الملائكة الذين هم معادن الرحمة والخير والراحة مغايرون للذين هم أصول الحزن والغم فطائفة من الملائكة هم المسمون بالروحانيين لإفادتهم الروح والراحة والريحان، وبعضهم يسمون بالكروبيين لكونهم مبادئ الكرب والغم والأحزان.
البحث الثالث: الظاهر من قوله تعالى: * (قل يتوفاكم ملك الموت) * أنه ملك واحد هو رئيس الملائكة الموكلين بقبض الأرواح، والمراد بالحفظة المذكورين في هذه الآية: أتباعه، وأشياعه عن مجاهد: جعل الأرض مثل الطست لملك الموت يتناول من يتناوله، وما من أهل بيت إلا ويطوف عليهم في كل يوم مرتين، وجاء في الأخبار من صفات ملك الموت ومن كيفية موته عند فناء الدنيا وانقضائها أحوال عجيبة.
والبحث الرابع: قرأ حمزة: توفاه بالألف ممالة والباقون بالتاء، فالأول لتقديم الفعل،