وقال تعالى: * (نسوا الله فنسيهم) * (التوبة: 67) أي تركوا العمل لله فتركهم، ويقول الرجل لصاحبه: لا تنسني من عطيتك، أي لا تتركني، فالمراد بهذا النسيان أن يترك الفعل لتأويل فاسد، والمراد بالخطأ، أن يفعل الفعل لتأويل فاسد.
المسألة الثالثة: علم أن النسيان والخطأ المذكورين في هذه الآية إما أن يكونا مفسرين بتفسير ينبغي فيه القصد إلى فعل ما لا ينبغي، أو يكون أحدهما كذلك دون الآخر، فأما الاحتمال الأول فإنه يدل على حصول العفو لأصحاب الكبائر، لأن العمد إلى المعصية لما كان حاصلا في النسيان وفي الخطأ ثم إنه تعالى أمر المسلمين أن يدعوه بقولهم * (لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * فكان ذلك أمرا من الله تعالى لهم بأن يطلبوا من الله أن لا يعذبهم على المعاصي، ولما أمرهم بطلب ذلك، دل على أنه يعطيهم هذا المطلوب، وذلك يدل على حصول العفو لأصحاب الكبائر، وأما القسم الثاني والثالث فباطلان لأن المؤاخذة على ذلك قبيحة عند الخصم، وما يقبح فعله من الله يمتنع أن يطلب بالدعاء.
فإن قيل: الناسي قد يؤاخذ في ترك التحفظ قصدا وعمدا على ما قررتم في المسألة المتقدمة.
قلنا: فهو في الحقيقة مؤاخذ بترك التحفظ قصدا وعمدا، فالمؤاخذة إنما حصلت على ما تركه عمدا، وظاهر ما ذكرنا دلالة هذه الآية على رجاء العفو لأهل الكبائر.
قوله تعالى: * (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) *.
إعلم أن هذا هو النوع الثاني من الدعاء وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الإصر في اللغة: الثقل والشدة، قال النابغة: يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم والحامل الإصر عنهم بعد ما عرفوا ثم سمي العهد إصرا لأنه ثقيل، قال الله تعالى: * (وأخذتم على ذلكم إصري) * (آل عمران: 81) أي عهدي وميثاقي والإصر العطف، يقال: ما يأصرني عليه آصرة، أي رحم وقرابة، وإنما سمي العطف إصرا لأن عطفك عليه يثقل على قلبك كل ما يصل إليه من المكاره.
المسألة الثانية: ذكر أهل التفسير فيه وجهين الأول: لا تشدد علينا في التكاليف كما شددت على من قبلنا من اليهود، قال المفسرون: إن الله تعالى فرض عليهم خمسين صلاة، وأمرهم بأداء ربع أموالهم في الزكاة، ومن أصاب ثوبه نجاسة أمر بقطعها، وكانوا إذا نسوا شيئا عجلت لهم العقوبة في الدنيا، وكانوا إذا أتوا بخطيئة حرم عليهم من الطعام بعض ما كان حلالا لهم، قال الله تعالى: * (فبظلم