السؤال الثالث: هل علم أن ذلك اللبث كان بسبب الموت، أو لم يعلم ذلك بل كان يعتقد أن ذلك اللبث بسبب الموت.
الجواب: الأظهر أنه علم أن ذلك اللبث كان بسبب الموت، وذلك لأن الغرض الأصلي في إماتته ثم إحيائه بعد مائة عام أن يشاهد الإحياء بعد الإماتة وذلك لا يحصل إلا إذا عرف أن ذلك اللبث كان بسبب الموت، وهو أيضا قد شاهد إما في نفسه، أو في حماره أحوالا دالة على أن ذلك اللبث كان بسبب الموت.
أما قوله تعالى: * (قال بل لبثت مائة عام) * فالمعنى ظاهر، وقيل: العام أصله من العوم الذي هو السباحة، لأن فيه سبحا طويلا لا يمكن من التصرف فيه.
أما قوله تعالى: * (فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلف القراء في إثبات الهاء في الوصل من قوله * (لم يتسنه) * و * (اقتده) * و * (ماليه) * و * (سلطانيه) * و * (ماهيه) * بعد أن اتفقوا على إثباتها في الوقف، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم هذه الحروف كلها بإثبات الهاء في الوصل، وكان حمزة يحذفهن في الوصل وكان الكسائي يحذف الهاء في الوصل من قوله * (لم يتسنه) * و * (اقتده) * ويثبتها في الوصل في الباقي ولم يختلفوا في قوله * (لم أوت كتابيه، واقتده ولم أدر ما حسابيه) * (الحاقة: 25، 26) أنها بالهاء في الوصل والوقف.
إذا عرفت هذا فنقول: أما الحذف ففيه وجوه أحدهما: أن اشتقاق قوله * (يتسنه) * من السنة وزعم كثير من الناس أن أصل السنة سنوة، قالوا: والدليل عليه أنهم يقولون في الاشتقاق منها أسنت القوم إذا أصابتهم السنة، وقال الشاعر: ورجال مكة مسنتون عجاف (c) ويقولون في جمعها: سنوات وفي الفعل منها: سانيت الرجل مساناة إذا عامله سنة سنة، وفي التصغير: سنية إذا ثبت هذا كان الهاء في قوله * (لم يتسنه) * للسكت لا للأصل وثانيها: نقل الواحدي عن الفراء أنه قال: يجوز أن تكون أصل سنة سننة، لأنهم قالوا في تصغيرها: سنينة وإن كان ذلك قليلا، فعلى هذا يجوز أن يكون * (لم يتسنه) * أصله لم يتسنن، ثم أسقطت النون الأخيرة ثم أدخل عليها هاء السكت عن الوقف عليه كما أن أصل لم يتقض البازي لم يتقضض البازي ثم أسقطت الضاد الأخيرة، ثم أدخل عليه هاء السكت عند الوقف، فيقال: لم يتقضه وثالثها: أن يكون * (لم يتسنه) * مأخوذا من قوله تعالى: * (من حمأ مسنون) * (الحجر: 26) والسن في اللغة هو الصب، هكذا قال