أن عيسى ما كان قادرا على هذه الأشياء امتنع في العقل أن أسلم له، وأن انقاد له، وإنما أسلم وجهي للذي منه الخير، والشر، والنفع، والضر، والتدبير، والتقدير.
الوجه الخامس: يحتمل أيضا أن يكون هذا الكلام إشارة إلى طريقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله * (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) * (البقرة: 131) وهذا مروي عن ابن عباس.
أما قوله * (أسلمت وجهي لله) * ففيه وجوه الأول: قال الفراء أسلمت وجهي لله، أي أخلصت عملي لله يقال أسلمت الشيء لفلان أي أخلصته له، ولم يشاركه غيره قال: ويعني بالوجه ههنا العمل كقوله * (يريدون وجهه) * (الكهف: 28) أي عبادته، ويقال: هذا وجه الأمر أي خالص الأمر وإذا قصد الرجل غيره لحاجة يقول: وجهت وجهي إليك، ويقال للمنهمك في الشيء الذي لا يرجع عنه: مر على وجهه الثاني: أسلمت وجهي لله أي أسلمت وجه عملي لله، والمعنى أن كل ما يصدر مني من الأعمال فالوجه في الإتيان بها هو عبودية الله تعالى والانقياد لإلهيته وحكمه الثالث: أسلمت وجهي لله أي أسلمت نفسي لله وليس في العبادة مقام أعلى من إسلام النفس لله فيصير كأنه موقوف على عبادته، عادل عن كل ما سواه.
وأما قوله * (ومن اتبعن) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: حذف عاصم وحمزة والكسائي، الياء من اتبعن اجتزاء بالكسر واتباعا للمصحف، وأثبته الآخرون على الأصل:
المسألة الثانية: * (من) * في محل الرفع عطفا على التاء في قوله * (أسلمت) * أي ومعنى اتبعني أسلم أيضا.
فإن قيل: لم قال أسلمت ومن اتبعن، ولم يقل: أسلمت أنا ومن اتبعن.
قلنا: إن الكلام طال بقوله * (وجهي لله) * فصار عوضا من تأكيد الضمير المتصل، ولو قيل أسلمت وزيد لم يحسن حتى يقال: أسلمت أنا وزيد ولو قال أسلمت اليوم بانشراح صدر، ومن جاء معي جاز وحسن.
ثم قال تعالى: * (وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هذه الآية متناولة لجميع المخالفين لدين محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن منهم من كان من أهل الكتاب، سواء كان محقا في تلك الدعوى كاليهود والنصارى، أو كان كاذبا فيه كالمجوس، ومنهم من لم يكن من أهل الكتاب وهم عبدة الأوثان.
المسألة الثانية: إنما وصف مشركي العرب بأنهم أميون لوجهين الأول: أنهم لما لم يدعوا الكتاب الإلهي وصفوا بأنهم أميون تشبيها بمن لا يقرأ ولا يكتب والثاني: أن يكون المراد